للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَوْ حَلَّفَهُ بِالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلَا يَحْلِفُ بِغَيْرِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَرَامٌ، وَمِنْهُمْ جَوَّزَهُ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ.

وَفِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ.

وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي لَمْ يُجِزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا، وَإِنْ مَسَّتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ يُفْتَى أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي اتِّبَاعًا لِلْبَعْضِ. اهـ.

وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَزَادَ فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ، وَقَضَى بِالْمَالِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ بِهِمَا فَلَا اعْتِبَارَ بِنُكُولِهِ عَنْهُمَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا فَيَعْتَبِرُ نُكُولَهُ وَيَقْضِي بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِهِمَا لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَيُقْضَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافُهُ قَيَّدَ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَوْ طَلَبَ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ أَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيُغَلَّظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك، وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَيُنْقِصَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ كَيْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي لَمْ يُغَلِّظْ وَيَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ، وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّغْلِيظَ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَصَلَ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالِاخْتِيَارِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ أَنَّ الْقُضَاةَ يَزِيدُونَ فِيهِ مَا شَاءُوا وَيُنْقِصُونَ مَا شَاءُوا. اهـ.

(قَوْلُهُ لَا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) أَيْ لَا يُغَلِّظُ الْقَاضِي بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورَهَا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُوبُ التَّغْلِيظِ بِهِمَا فَيَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ فِي التَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ تَأْخِيرَ حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الْيَمِينِ إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فَلَا يُشْرَعُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِهِ لَيْسَ بِحَسَنٍ عِنْدَنَا أَصْلًا فَيُفِيدُ الْإِبَاحَةَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ.

(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» ؛ وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَلَوْ حَلَّفَهُ بِالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَمْ أَرَهُ) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ قُصُورٌ لِوُجُودِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ أَوْ الْقَادِرِ فَكُلُّ ذَلِكَ يَمِينٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا غَلَّظَ بِذِكْرِ الصِّفَةِ يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ لِئَلَّا تَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ وَنَصُّوا هُنَا فِي تَحْلِيفِ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيْك وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ بَلْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَسَائِرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ يَمِينًا. اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: نُكُولُهُ) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ هُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ. اهـ.

وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ مِثْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِامْتِنَاعِهِ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَفِي الدُّرِّ عَنْ مُصَنَّفِ التَّنْوِيرِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ نَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ مَا مُحَصَّلُهُ أَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ بِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ اطْمِئْنَانُ خَاطِرِ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ فَرُبَّمَا كَانَ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَهُ بِهِمَا صَدَّقَهُ. اهـ.

قُلْت بَلْ فِي الْغَالِبِ يَمْتَنِعُ عَنْهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا خَوْفًا مِنْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَهُ فَائِدَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ إلَخْ) أَيْ يُحْتَاطُ عَنْ الْعَطْفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا التَّوْرَاةَ أَوْ هَذَا الْإِنْجِيلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الشرنبلالية

<<  <  ج: ص:  >  >>