مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالنَّصْرَانِيّ نُبُوَّةَ عِيسَى فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَةِ تَحْلِيفِ الْمَجُوسِيِّ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى تَعْظِيمٌ لَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَظَّمَة، وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] .
وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ قَوْلُهُمَا فَإِنْ قُلْت إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذَكَرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ . قُلْتُ: لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُغَلِّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ فَيُكْتَفَى بِاَللَّهِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَفِي الْعِنَايَةِ ابْنِ صُورِيَّا بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَأَنْشُدُك أَيْ أُحَلِّفُك بِاَللَّهِ. اهـ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ لَا يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّ الدَّهْرِيَّةَ مِنْهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [لقمان: ٢٥] الْآيَةَ، عَلَى ذَلِكَ بَلْ؛ لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ. اهـ.
وَالْيَهُودِيُّ نِسْبَةٌ إلَى هُودٍ، وَهُوَ اسْمُ نَبِيٍّ عَرَبِيٍّ وَسُمِّيَ بِالْجَمْعِ وَبِالْمُضَارِعِ مِنْ هَادَ إذَا رَجَعَ وَيُقَالُ هُمْ يَهُودُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ وَجَازَ تَنْوِينُهُ، وَقِيلَ نِسْبَةً إلَى يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَتَمَامُهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِيهِ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَامْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ وَرُبَّمَا قِيلَ نَصْرَانٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ وَيُقَالُ هُوَ نِسْبَةٌ إلَى قَرْيَةٍ اسْمُهُمَا نَصْرَةُ قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ: وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْوَاحِدِ نَصْرِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالنَّصَارَى جَمْعُهُ مِثْلُ مَهْرِيٌّ، وَمَهَارَى ثُمَّ أَطْلَقَ النَّصْرَانِيَّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَبَّدَ بِهَذَا الدِّينِ. اهـ.
وَفِيهِ الْمَجُوسُ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَتَمَجَّسَ دَخَلَ فِي دِينِ الْمَجُوسِ كَمَا يُقَالُ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ إذَا دَخَلَ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اهـ.
وَفِيهِ الْوَثَنُ الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسْدٌ، وَأَوْثَانٌ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ مَنْ يَتَدَيَّنُ بِعِبَادَتِهِ عَلَى لَفْظِهِ فَيُقَالُ رَجُلٌ وَثَنِيٌّ. اهـ.
(قَوْلُهُ، وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْضُرُهَا لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ.
(قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ، وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ) يَعْنِي، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهَا، وَلَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ مَا نَكَحْت؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ، وَلَا فِي الْغَصْبِ مَا غَصَبْت؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَدَّهُ، وَفِي الطَّلَاقِ مَا طَلَّقْت؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ هُنَا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الْحَاصِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا بَقِيَ وَثَبَتَ وَذَهَبَ مَا سِوَاهُ حَصَلَ حُصُولًا، وَمَحْصُولًا. اهـ.
وَالثَّانِي: تَحْلِيفُهُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ صُورَةُ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَبَيَانُهُ إذَا ادَّعَى عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا أَوْ بَيْعًا فَهُوَ يُنْكِرُ وَيَقُولُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِهِ بِاَللَّهِ لَيْسَ لَهُ عِنْدَك شَيْءٌ، وَلَا عَلَيْك دَيْنٌ وَعِنْدَهُ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعَهُ، وَلَا بَاعَهُ، وَلَا أَقْرَضَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.
وَقَوْلُهُ الْآنَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمْعِ كَمَا أَفَادَهُ مِسْكِينٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَنَّ الْأَصْلَ هَذَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّ الدَّهْرِيَّةَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْهُ عَلَى السَّبَبِ إنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَبِيعُ ثُمَّ يُقْبِلُ