للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ طَلَبَ الْجِنَايَةَ وَدَفَعَ الْجَانِيَ سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ الْجِنَايَةَ يَسْقُطُ رُبُعُ الدَّيْنِ فَكَانَ فِي طَلَبِ الْجِنَايَةِ ضَرَرٌ بِالْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا رَضِيَ بِإِبْطَالِ حَقِّهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ أَفْدِيهِ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَفْدِيهِ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْفِدَاءِ لِيُخَلِّصَ عَبْدَ الرَّهْنِ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ فَدَاهُ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ ذَلِكَ عَمَّا عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي وَيَبْطُلُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَبْدِ الْجَانِي نِصْفُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مُضْطَرٌّ إلَى الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يُحْيِي مِلْكَهُ وَالْإِنْسَانُ فِيمَا يُحْيِي مِلْكَهُ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَلِلْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا فَيَصِيرُ مُؤَدِّيًا دَيْنَ الْقَاتِلِ فَيَخْرُجُ الْقَاتِلُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ الْفِدَاءَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ أَفْدِي وَفَدَى يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِيهِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ أَدَّى عَنْ نَفْسِهِ وَبِقَدْرِ الْأَمَانَةِ أَدَّى عَنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجِيءِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ دَيْنًا قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَانَ الرَّاهِنُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لِمَا يَأْتِي.

وَلَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ نَفْسَهُ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ لِمَا تَبَيَّنَ.

وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَمَتَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ أَلْفٌ فَوَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِنْتًا تُسَاوِي أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ فَقَتَلَتْ إحْدَى الْبِنْتَيْنِ صَاحِبَتَهَا لَمْ يَبْطُلْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَالْبَاقِي رَهْنٌ بِأَلْفٍ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَنْقَسِمْ عَلَيْهِمَا وَعَلَى وَلَدَيْهِمَا أَرْبَاعًا عَلَى سَبِيلِ التَّرَقُّبِ وَالِانْتِظَارِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَصَارَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَارِغَةً وَرُبُعُهَا مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِثْلَ الدَّيْنِ وَالْمَقْتُولَةُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَارِغَةٌ وَرُبُعُهَا مَشْغُولٌ وَالْجِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ وَبِجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَلَكِنْ يَلْحَقُ بَاقِيهَا؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ الدَّيْنِ يَتَحَوَّلُ مَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْأُمِّ وَالْجِنَايَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعٍ رُبُعُ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَتَحَوَّلَ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَاتِلَةِ فَصَارَتْ الْقَاتِلَةُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَأَمَّا الْقَاتِلَةُ كَانَتْ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ كُلُّهُ أَلْفٌ، فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّ الْمَقْتُولَةِ بَقِيَتْ الْقَاتِلَةُ وَأُمُّهَا بِسَبْعِمِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ وَنِصْفٍ لِحَقِّهَا مِنْ الْجِنَايَةِ وَافْتَكَّهَا بِذَلِكَ أَمَةً مَرْهُونَةً بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَجَنَى الْوَلَدُ فَدَفَعَ بِهَا لَمْ يَبْطُلْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ، وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَا هَذَا.

وَإِنْ فَقَأَتْ الْأُمُّ عَيْنَيْ الْبِنْتِ فَدُفِعَتْ الْأُمُّ وَأُخِذَتْ الْبِنْتُ فَهِيَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنْ مَاتَتْ مَاتَتْ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ إذَا اخْتَارَ مَوْلَى الْفَاقِئِ الدَّفْعَ وَأَخَذَ الْجُثَّةَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِمَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ إمْسَاكُ الْجُثَّةِ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا اخْتَارَ مَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ دَفْعَ الْجُثَّةِ وَأَخَذَ الْفَاقِئَ فَالرَّهْنُ كُلُّهُ فَاتَ إلَى خَلَفٍ فَيَقُومُ الْخَلَفُ مَقَامَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَوْلَى الْمَفْقُوءَةِ إمْسَاكُ الْجُثَّةِ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَكَانَ الْفَاقِئُ بَدَلًا عَنْ الْجُثَّةِ وَعَنْ الْعَيْنَيْنِ جَمِيعًا فَمَا بِإِزَاءِ الْعَيْنَيْنِ مِنْ الرَّهْنِ قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَيْنِ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ وَلَا وَصَلَ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ الرَّهْنُ بِقَدْرِ الْجُثَّةِ فَائِتًا بِخَلَفٍ فَيَكُونُ رَهْنًا بِهِ.

فَإِنْ فَقَأَتْ الْأُمُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنَيْ الْبِنْتِ فَدُفِعَتْ وَأُخِذَتْ الْأُمُّ عَمْيَاءَ فَفِي الْقِيَاسِ تَكُونُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ قَامَتْ مَقَامَ الْأُمِّ بِالدَّفْعِ كَمَا قَامَتْ الْأُمُّ مَقَامَ الْبِنْتِ بِالدَّفْعِ فِي جَمِيعِ الرَّهْنِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعُودُ الرَّهْن الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ وَيَذْهَبُ مِنْهُ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ كَانَتْ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ وَالْبِنْتُ جُعِلَتْ بَدَلًا عَنْهَا وَتَبَعًا لَهَا، فَإِذَا دُفِعَتْ الْأُمُّ بِالْبِنْتِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْإِيفَاءُ، وَلَمْ يُوجَدُ الْإِيفَاءُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَدَلِ فَبَقِيَتْ الْأُمُّ أَصْلًا فِي الرَّهْنِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الدَّفْعِ لَا بَدَلًا عَنْ الْبِنْتِ فَكَانَتْ أَصْلًا.

وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ الْعَمْيَاءِ فَكَذَا هَذَا وَلِأَنَّ الْبِنْتَ لَمَّا جُعِلَتْ بَدَلًا وَتَبَعًا لِلْأُمِّ فِي الرَّهْنِ فَلَوْ قَامَتْ الْأُمُّ مَقَامَ الْبِنْتِ يَكُونُ فِي هَذَا الْمَتْبُوع تَبَعًا لِتَبَعِيَّتِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ فَلَا تَقُومُ الْأُمُّ مَقَامَ الْبِنْتِ بَلْ تَبْقَى أَصْلًا وَتَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَتْ.

رَهَنَ أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ يُسَاوِي أَلْفًا فَجَنَى أَحَدُهُمَا فَدُفِعَ، ثُمَّ فَقَأَتْ الْأُمُّ عَيْنَهُ فَدُفِعَتْ الْأُمُّ وَأُخِذَ الْوَلَدُ مَكَانَهَا فَالْوَلَدَانِ بِأَلْفٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْأَعْمَى يَقُومُ

<<  <  ج: ص:  >  >>