للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي عُضْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَجَمَعَ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ. اهـ.

وَهُوَ تَفْصِيلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ اقْتَضَى اعْتِبَارَ الرُّبْعِ سَوَاءٌ كَانَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ وَأَطْلَقَ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُ وَالِانْكِشَافُ الْقَلِيلُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ أَيْضًا لَا يُفْسِدُ وَالْمُفْسِدُ الِانْكِشَافُ الْكَثِيرُ فِي الزَّمَنِ الْكَثِيرِ، وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ وَالْقَلِيلُ دُونَهُ فَلَوْ انْكَشَفَ فَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ فَسَدَتْ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمْ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اعْتَبَرَ أَدَاءَ الرُّكْنِ حَقِيقَةً، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَامَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ لِلِازْدِحَامِ أَوْ قَامَ عَلَى نَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَنْعِ دُونَ الْفَسَادِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا أَحْرَمَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الِانْعِقَادِ وَمَا إذَا انْكَشَفَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ كَالِانْكِشَافِ الْمَانِعِ وَتَفَرَّعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا فِي الْمُحِيطِ أَمَةٌ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَرَعَفَتْ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ فَتَوَضَّأَتْ، ثُمَّ تَقَنَّعَتْ وَعَادَتْ إلَى الصَّلَاةِ جَازَتْ؛ لِأَنَّهَا مَا أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ عَادَتْ، ثُمَّ تَقَنَّعَتْ فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهَا أَدَّتْ شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْكَشْفِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ كَالرَّجُلِ وَظَهْرُهَا وَبَطْنُهَا عَوْرَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ دُونَهُ وَكُلٌّ مِنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ مَوْضِعٌ مُشْتَهًى وَمَا عَدَا هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ رَأْسًا أَوْ كَتِفًا أَوْ سَاقًا لِلْحَرَجِ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ أَمَةً مُتَقَنَّعَةً وَقَالَ اكْشِفِي رَأْسَك لَا تَتَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ فِي تَوْضِيحِ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ مَنَعَ عُمَرُ الْإِمَاءَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْحَرَائِرِ فَجَوَابُهُ أَنَّ السُّفَهَاءَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِالتَّعَرُّضِ لِلْإِمَاءِ فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَلْتَبِسَ الْأَمْرُ فَيَتَعَرَّضَ السُّفَهَاءُ لِلْحَرَائِرِ فَتَكُونُ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: ٥٩] أَيْ يَتَمَيَّزْنَ بِعَلَامَتِهِنَّ عَنْ غَيْرِهِنَّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْأَمَةِ سِتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يُسْتَحَبُّ لَهَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا بَلْ هُوَ مَنْقُولُ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَمَةُ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْحُرَّةِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ فَلِهَذَا أَطْلَقَهَا لِيَشْمَلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُسْتَسْعَاةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَعِنْدَهُمَا الْمُسْتَسْعَاةُ حُرَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْمُسْتَسْعَاةِ مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ، وَأَمَّا الْمُسْتَسْعَاةُ الْمَرْهُونَةُ إذَا أَعْتَقَهَا الرَّاهِنُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَهِيَ حُرَّةٌ اتِّفَاقًا، وَقَدْ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي بَعْضِ الدُّرُوسِ فِي الْجَنْبِ هَلْ هُوَ عَوْرَةٌ أَوْ لَا فَذَكَرْت أَنَّهُ عَوْرَةٌ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْجَنْبُ تَبَعُ الْبَطْنِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ. اهـ.

وَلَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَنَحْوَهُ فَسَتَرَتْهُ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ قَبْلَ أَدَاءِ رُكْنٍ جَازَتْ لَا بِكَثِيرٍ أَوْ بَعْدَ رُكْنٍ، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ تُؤَدِّيَ رُكْنًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَدْرُ الْكَثِيرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ) أَيْ بِسُنَّتِهِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمُنْيَةِ قَالَ شَارِحُهَا ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ أَيْ بِمَا لَهُ مِنْ السُّنَّةِ أَيْ بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهِ مِنْ الْكَمَالِ السُّنِّيِّ كَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَوَجْهُهُ قَرِيبٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّقْيِيدِ بِكَوْنِهِ قَصِيرًا أَوْ طَوِيلًا. اهـ.

أَيْ تَقْيِيدُ الرُّكْنِ أَيْ هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُ قَدْرُ رُكْنٍ طَوِيلٍ بِسُنَّتِهِ كَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ أَوْ الْقِيَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَسْنُونِ أَوْ قَدْرِ رُكْنٍ قَصِيرٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ بِسُنَّتِهِ أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْبُرْهَانُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ. اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ أَقْصَرُ رُكْنٍ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْإِطْلَاقِ وَلَكِنَّ الْأَشْبَهَ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ قَدْ تَدْعُو إلَى التَّعَمُّدِ ضَرُورَةً فِي الْجُمْلَةِ فَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ التَّعَمُّدُ بِسَبَبِهَا حَتَّى يَكُونَ كَلَا تَعَمُّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَخَافَ أَنْ يُضَيِّعَ نَعْلَهُ فَرَفَعَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ فِيهَا قَذَرٌ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَقَامَ وَالنَّعْلُ فِي يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ حَتَّى يَرْكَعَ رُكُوعًا تَامًّا أَوْ رُكْنًا آخَرَ وَالنَّعْلُ فِي يَدِهِ. اهـ.

قَالَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَسَادَ إذَا لَمْ يُؤَدِّ رُكْنًا بِنَاءً عَلَى ضَرُورَةِ تَرْكِ التَّعَمُّدِ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ وَهِيَ خَوْفُ ضَيَاعِ النَّعْلِ فَعَدَمُ الْفَسَادِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَيْته فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْجَنْبُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ شِقُّ الْإِنْسَانِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْإِبْطِ وَالْوَرِكِ فَمَعْنَى كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لِلْبَطْنِ وَمَا لَمْ يَلِ الْبَطْنَ بِأَنْ وَلِيَ الصَّدْرَ فَتَبَعٌ لِلظَّهْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الظَّهْرَ أَعْلَى مِنْ الْبَطْنِ؛ لِأَنَّ الْبَطْنَ مَا لَانَ وَالصَّدْرُ قَفَصُ الْعِظَامِ وَالظَّهْرُ يُحَاذِيهِمَا غَايَتُهُ أَنَّ الْكَتِفَيْنِ غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الظَّهْرِ فَلَيْسَا بِعَوْرَةٍ. اهـ.

أَقُولُ: وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ الْأَوْجَهُ أَنَّ مَا يَلِي الْبَطْنَ تَبَعٌ لَهُ وَمَا يَلِي الظَّهْرَ تَبَعٌ لَهُ وَلَكِنْ نُقِلَ أَوَّلَ الْبَابِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْجَنْبَ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ فَإِنَّهُ قَالَ رَفَعَتْ يَدَيْهَا لِلشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَانْكَشَفَ مِنْ كُمَّيْهَا رُبْعُ بَطْنِهَا أَوْ جَنْبِهَا لَا يَصِحُّ شُرُوعُهَا تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>