بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ فَشَرَطَ عِلْمَهَا تَبَعًا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا لَوْ صَلَّتْ شَهْرًا بِغَيْرِ قِنَاعٍ، ثُمَّ عَلِمَتْ بِالْعِتْقِ مُنْذُ شَهْرٍ تُعِيدُهَا، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان إذَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَأَدَّى رُكْنًا مَعَهُ فَسَدَتْ عَلِمَ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَهَذَا أَنَّ الْمَنْطُوقَانِ أَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ مَاتَ بِمَكَّةَ فَلَزِمَ امْرَأَةً أَنْ تُعِيدَ صَلَاةَ سَنَةٍ فَقُلْ هُوَ رَجُلٌ عَلَّقَ عِتْقَ جَارِيَتِهِ بِمَوْتِهِ فَمَاتَ بِمَكَّةَ وَهِيَ لَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا تُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ الْكِسْوَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السِّتْرُ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الشُّرُوعِ وَهُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَمَّا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِالسِّتْرِ فِي الصَّلَاةِ اسْتَنَدَ إلَى سَبَبِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَوَجَّهَ إلَيْهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَرَكَهُ بِخِلَافِهَا إذْ الْعِتْقُ سَبَبُ خِطَابِهَا بِالسِّتْرِ، وَقَدْ وُجِدَ حَالَةَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ سَتَرَتْ كَمَا قَدَرَتْ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ السِّتْرِ فَلَمْ تَسْتَتِرْ كَالْحُرَّةِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ وَفِي شَرْحِ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْخُنْثَى إذَا كَانَ رَقِيقًا فَعَوْرَتُهُ عَوْرَةُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، فَإِنْ سَتَرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ وَصَلَّى قَالَ بَعْضُهُمْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا.
فَرْعٌ حَسَنٌ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لِأَئِمَّتِنَا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْت حُرَّةٌ قَبْلَهَا فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ سِتْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السِّتْرِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ. اهـ.
وَسَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ وَهِيَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَهُ أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمُقْتَضَاهُ هُنَا أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَيَقَعُ الْعِتْقُ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعَهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عَارِيًّا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ كُلَّهُ طَاهِرٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَيُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَلَا مَا يُقَلِّلُهَا، فَإِنْ وَجَدَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهِ وَعُلِمَ حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الرُّبْعِ طَاهِرًا بِالْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ) يَعْنِي بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ يَلِي الْأَوَّلَ فِي الْفَضْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ دُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُومِئًا بِهِمَا إمَّا قَاعِدًا وَإِمَّا قَائِمًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُخَيَّرُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ دُونَ الثَّالِثِ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ سِتْرُ الْعَوْرَةِ فِيهِ أَكْثَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِمُخَيَّرٍ وَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ إلَّا فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ التَّطْهِيرِ سَقَطَ عَنْهُ لِعَجْزِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ خِطَابُ السِّتْرِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالطَّاهِرِ فِي حَقِّهِ
وَلَهُمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السِّتْرُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ سَقَطَ فَيَمِيلُ إلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَوْجَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ) أَيْ مَفْهُومِ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَعْدَ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْعَارِي إلَخْ) يَعْنِي حُكْمَ الْأَمَةِ فِيمَا إذَا أُعْتِقَتْ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَنَّعَتْ مِنْ سَاعَتِهَا حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ بِخِلَافِ الْعَارِي إذَا وَجَدَ السَّاتِرَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِهِ لَهُ.
(قَوْلُهُ: فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا) وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْمَنْبَعِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِيمَاءِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَتَبِعَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَفِي الْمِفْتَاحِ أَوْمَأَ الْقَائِمُ أَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ الْقَاعِدُ جَازَ. اهـ.
قُلْتُ: وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَنْعُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ وَالْأَصْلِ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْبَحْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّهْرِ بَعْدُ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ تَنَبَّهْ.
وَالْحَاصِلُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ صَلَاتِهِ بِهِ قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَاعِدًا مُومِئًا ثُمَّ عُرْيَانًا قَاعِدًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ثُمَّ عُرْيَانًا قَائِمًا مُومِئًا وَالْأَفْضَلِيَّةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّابِعُ دُونَ الثَّالِثِ فِي الْفَضْلِ) مُرَادُهُ بِالرَّابِعِ الْإِيمَاءُ قَائِمًا وَبِالثَّالِثِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَسَمَّاهُ رَابِعًا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ نَقْلِ عِبَارَةِ مُلْتَقَى الْبِحَارِ زِيَادَةً عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَوَّلًا وَلِيُشِيرَ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ نَعَمْ عِبَارَةُ الْمُلْتَقَى تُفِيدُ صُورَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَهِيَ صَلَاتُهُ