للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيِّهِمَا شَاءَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَخُيِّرَ إنْ طَهُرَ الْأَقَلُّ أَوْ كَانَ كُلُّهُ نَجِسًا لَكَانَ أَفْوَدَ إذْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ مَذْهَبًا وَخِلَافًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي لِيُفْهَمَ مِنْهُ الْأَوَّلُ بِالْأَوْلَى لَكَانَ أَوْلَى وَفِي الْأَسْرَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ بِخِلَافٍ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ وَلَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَوْلِ أَوْ الدَّمِ أَوْ نَحْوِهِمَا فِي الثَّوْبِ كُلِّهِ تَزُولُ بِالْمَاءِ وَنَجَاسَةَ الْجِلْدِ لَا يُزِيلُهَا الْمَاءُ فَكَانَتْ أَغْلَظَ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ رُبْعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ أَقَلُّ مِنْ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ لِمَا أَنَّ طَهَارَةَ الرُّبْعِ كَطَهَارَةِ الْكُلِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ نَجَاسَةَ أَحَدِهِمَا لَوْ كَانَتْ قَدْرَ الرُّبْعِ وَالْآخَرُ أَقَلُّ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَقَلِّهِمَا وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ وَلِمَا دُونَ الرُّبْعِ حُكْمَ الْعَدَمِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ الرُّبْعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبْعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدُهُمَا رُبْعَ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الثَّوْبِ وَالطَّاهِرُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ سِتْرُ الْعَوْرَةِ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا إذَا تَحَرَّكَ الطَّرَفُ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَتَحَرَّك. اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، أَمَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَا تَفْصِيلَ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَلِهَذَا لَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّتْ قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً لِمَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا وَرُبْعَ رَأْسِهَا فَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا يَضُرُّ وَالسِّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ وَلَوْ كَانَ جَرِيحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِئًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ، فَإِنْ قَامَ وَقَرَأَ وَرَكَعَ، ثُمَّ قَعَدَ وَأَوْمَأَ لِلسُّجُودِ جَازَ لِمَا قُلْنَا وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ وَلَوْ صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَدِمَ ثَوْبًا صَلَّى قَاعِدًا مُومِئًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِمَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً فَصَلُّوا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ أَرَادَ بِالثَّوْبِ مَا يَسْتُرُ عَامَّةَ عَوْرَتِهِ وَلَوْ حَرِيرًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَبَاتًا أَوْ كَلَأً أَوْ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ لَا الزُّجَاجُ الَّذِي يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَالْعَدَمُ الْمَذْكُورُ يَثْبُتُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ فِي مِلْكِهِ وَبِعَدَمِ الْإِبَاحَةِ لَهُ حَتَّى لَوْ أُبِيحَ لَهُ ثَوْبٌ تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ صَلَّى عَارِيًّا لَمْ يَجُزْ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا أُبِيحَ لَهُ الْمَاءُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْعُرْيَانِ يَعِدُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الثَّوْبَ إذَا صَلَّى فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْتَظِرُهُ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِهِ وَأَطْلَقَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ خَصَّهُ بِالنَّهَارِ

أَمَّا فِي اللَّيْلِ فَيُصَلِّي قَائِمًا؛ لِأَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّوْبِ إذَا صَلَّى عُرْيَانًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ لَا يَجُوزُ

ــ

[منحة الخالق]

عُرْيَانًا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ مَرْتَبَتَهَا فِي الْفَضِيلَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَوْقَ الْقِيَامِ عُرْيَانًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ فِيهَا أَبْلَغُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْأَسْرَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ) نَظَرَ فِيهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا جِلْدَ مَيْتَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي النَّجَاسَةِ الْعَارِضَةِ لَا الْأَصْلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ السِّتْرُ بِذَلِكَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي كَوْنِ نَجَاسَةِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ أَصْلِيَّةً نَظَرٌ بَلْ هِيَ عَارِضَةٌ بِالْمَوْتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَحَرُّكِ الطَّرَفِ فِي الْآخَرِ هُنَا إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ رُبْعًا تَحَتَّمَ لُبْسُهُ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ أَوْ لَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ خُيِّرَ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى مَا عَلِمْت نَعَمْ الْمُنَاسِبُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى قَوْلِهِ. (قَوْلُهُ: قِيَاسًا عَلَى الْمُتَيَمِّمِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي آخِرِهِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وُعِدَ بِالْمَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِظَارُ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ فَيَنْبَغِي قِيَاسُ الثَّوْبِ عَلَيْهِ إذْ هُوَ أَقْرَبُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ الظَّاهِرُ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَوْعُودِ عَلَى الْمَوْعُودِ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>