إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُبِيحِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَبِالْمَجْنُونِ) يَعْنِي يُقْتَلُ الرَّجُلُ الصَّحِيحُ بِهَؤُلَاءِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ إلَخْ لَا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُقْتَلَانِ بِمُسْتَأْمِنٍ، وَإِنَّمَا جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمْ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ فِي الْعِصْمَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِيهَا هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي، هَذَا الْبَابِ، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ فِيمَا وَرَاءَهَا لَانْسَدَّ بَابُ الْقِصَاصِ وَلَظَهَرَ الْفِتَنُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ) لِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ الْعُمُومَاتِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْوَلَدِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ وَلَا السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ غَالِبًا لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّ الْأَبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِوَلَدِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْتُلُهُ إذَا وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا، وَهُوَ مُحْصَنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ خِلَافُهُ، وَلَوْ قُتِلَ بِهِ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الِابْنَ نِيَابَةً وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ، وَهُوَ مُحْصَنٌ، فَإِنَّهُ يُرْجَمُ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّجْمَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْخُصُوصِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لَا يُقَالُ فَيَجِبُ أَنْ يَحُدَّ إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأُمُّ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ كَالْأَبِ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُمْ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْأَبِ يَكُونُ وَارِدًا فِيهِمْ دَلَالَةً فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ شَامِلَةً لِلْجَمِيعِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْقَتْلِ وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ قَتَلَهُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَصَدَ تَأْدِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَبَحَهُ ذَبْحًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا تَأْوِيلَ بَلْ جِنَايَةُ الْأَبِ أَغْلَظُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ فَصَارَ كَمَنْ زَنَى بِابْنَتِهِ حَيْثُ يُرْجَمُ كَمَا لَوْ زَنَى بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ هَذَا كَالزِّنَا بِبِنْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ يَجْتَنِبُ مَا يَضُرُّ وَلَدَهُ بَلْ يَتَحَمَّلُ الضَّرَرَ عَنْهُ حَتَّى يَسْلَمَ وَلَدُهُ فَهَذَا هُوَ الْعَادَةُ الْفَاشِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ وَلَدِهِ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ غَالِبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخْصَةِ الْمُسَافِرِينَ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِمَا يَتَّفِقُ فِيهِ لِبَعْضِهِمْ مِنْ الرَّاحَةِ وَلَا كَذَلِكَ الزِّنَا.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَبِعَبْدِ وَلَدِهِ وَبِعَبْدٍ مَلَكَ بَعْضَهُ) يَعْنِي لَا يُقْتَلُ بِهَؤُلَاءِ لِمَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوجِبَ عَلَى نَفْسِهِ عُقُوبَةً وَكَذَا لَا يَسْتَوْجِبُ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا وَالْقِصَاصُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَسْقُطُ فِي الْبَعْضِ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ فَيَسْقُطُ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (، وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَبِيهِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَخَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ بِهِ، فَإِنَّ ابْنَهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا كَمَا إذَا قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَيْسَ لَهَا ابْنٌ إلَّا ابْنُهَا مِنْهُ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ بِالسَّيْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْتَصُّ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ إنْ قَتَلَهُ بِفِعْلٍ مَشْرُوعٍ، وَإِنْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ فِعْلٍ مَشْرُوعٍ كَلِوَاطَةٍ يُتَّخَذُ لَهُ خَشَبَةً وَيُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ وَلَنَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» ، وَهُوَ نَصٌّ عَلَى نَفْيِ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ بِغَيْرِ السَّيْفِ فَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً مَا كَانَ سِلَاحًا مِنْ غَيْرِ السَّيْفِ وَهَلْ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَدُلُّ كَلَامُ وَاحِدٍ عَلَى نَفْيِ شَيْءٍ وَإِثْبَاتِهِ مَعًا وَالْحَقُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ فِي الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ السِّلَاحَ مُطْلَقًا بِطَرِيقِ الْكِتَابَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ لَا قَوَدَ يَجِبُ إلَّا بِالسَّيْفِ لَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى قُلْنَا الْقَوَدُ اسْمٌ لِفِعْلٍ هُوَ جَزَاءُ الْقَتْلِ دُونَ مَا يَجِبُ شَرْعًا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ كَانَ مَجَازًا؛ وَلِأَنَّ الْقَوَدَ قَدْ يَجِبُ بِغَيْرِ السَّيْفِ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ وَالْإِبْرَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ وُجُوبِ الْقَوَدِ بِدُونِ الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، وَإِنَّمَا السَّيْفُ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِيفَاءِ اهـ.
وَمَا رَوَاهُ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ كَمَا نُسِخَتْ الْمُثْلَةُ أَوْ يَكُونُ الْيَهُودِيُّ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُقْتَلُ كَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لِيَكُونَ أَرْدَعَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ كَانَ أَخَذَ الْمَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute