للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْلَى وَالْوَارِثُ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ حُرًّا كَمَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَالْقِصَاصُ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ مَاتَ عَبْدًا كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى قَالَ ابْنُ قَاضِي زَادَهْ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَقُولُ: أَطْلَقَ الْوَارِثَ هَاهُنَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحُرِّ وَقَيَّدَهُ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً وَلَهُ وَرَثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَعْكِسَ الْأَمْرَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ هَاهُنَا رَقِيقًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِ حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى خَاصَّةً إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْأَرِقَّاءِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فَلَمْ يُشْتَبَهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ هَاهُنَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَرِقَّاءَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ لِلْمَوْلَى وَحْدَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا إذَا كَانَتْ وَرَثَتُهُ أَحْرَارًا؛ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَحْرَارِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْأَرِقَّاءِ خِلَافَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ: الرَّقِيقُ لَا يَكُونُ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ أَحَدُ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَمْنَعُ عَنْ الْإِرْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الْوَارِثِ بِالْحُرِّ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ لِإِشْعَارِهِ بِكَوْنِ الرَّقِيقِ أَيْضًا وَارِثًا قُلْتُ: الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرِثَ وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ عِنْدَ زَوَالِ الرِّقِّ لَا مَنْ يَرِثُ بِالْفِعْلِ فَيَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَتِمَّ تَقْيِيدُ الْوَرَثَةِ بِالْأَحْرَارِ فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا قُيِّدَتْ بِهَا فِي الْكِتَابِ بَلْ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الرَّبَّانِيِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَلِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّيْنِ لِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِلَا بَدَلٍ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ تَصَرُّفًا يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الْغَيْرِ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا الْقِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا فَجَعَلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ الَّذِي تَرَكَ وَفَاءً وَارِثًا وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَفَاءَ فَلَا يُشْبِهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِي الْعُيُونِ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ إذَا قُتِلَ عَمْدًا، فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْقِصَاصِ فَلَهُمَا أَنْ يَقْتَصَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ الْمُسْتَوْفَى هُوَ الرَّاهِنَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا قِصَاصَ وَعَلَى الْقَاتِلِ الْقِيمَةُ وَفِي الْيَنَابِيعِ رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَرَوَى ابْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْقِصَاصِ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِثْلُهُ فَلَهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا قِيمَتُهُ وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الْقِصَاصِ سَقَطَ الدَّيْنُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ.

وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَإِنْ قُتِلَ عَبْدٌ فِيهِ حَقَّانِ تَامَّانِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَجْتَمِعَا لَكَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ أَمَّا كَوْنُهُ أَوْلَى فَلِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَغَيْرَهُ وَقَوْلُنَا حَقَّانِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ إذَا كَانَا مَالِكَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا وَكَوْنُهُ أَخْصَرَ أَظْهَرُ وَقَوْلُنَا تَامَّانِ لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ الْمَقْتُولُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْمُوصَى بِهِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَلَا قِصَاصَ لِلْوَارِثِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ إنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ رَجَعَ عَلَى الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهِ وَلَا تَرْجِعُ الْوَرَثَةُ بِذَلِكَ وَالْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا قَتَلَ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا وَفِي الْكُبْرَى إنْ اتَّفَقَا بَطَلَ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ وَيَسْتَوْفِيهِ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ، فَإِنَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ وَيَكُونُ حَالُهُ مِثْلَ حَالِ الْأَوَّلِ وَفِي الْقُدُورِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْعَبْدُ الْمَمْهُورُ إذَا قُتِلَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَرْأَةِ وَبَدَلُ الْخُلْعِ إذَا قُتِلَ قَبْلَ قَبْضِ الزَّوْجِ وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عَمْدًا، فَإِنْ شَاءَ الْمَالِكُ اقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ عَبْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِصَاصُ لِلْمُشْتَرِي إنْ أَجَازَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ، وَإِنْ نَقَصَ فَلِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ.

وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْعُيُونِ وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ إذَا قُتِلَ قَبْلَ الْقَبْضِ عَمْدًا يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْمُضِيِّ وَالرَّدِّ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمُضِيَّ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ فَقَدْ جَوَّزُوا إجَازَةَ الْبَيْعِ بَعْدَ الْمَوْتِ هُنَا، وَلَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْتَصَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِذَا أَدَّى الثَّمَنَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْتَصُّ الْبَائِعُ، وَعِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>