للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُرُوطِ الصَّلَاةِ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى اشْتِرَاطِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] كَمَا فَعَلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِبَادَةَ بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِدَلِيلِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ لَا الِافْتِرَاضَ، وَالنِّيَّةُ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْوُضُوءِ الْكَلَامَ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ نِيَّاتٍ: نِيَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَنِيَّةُ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَوْلُنَا عَلَى الْخُلُوصِ يُغْنِي عَنْ الثَّانِيَةِ

وَأَمَّا نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَلَيْسَتْ شَرْطًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمِحْرَابِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِلَا فَاصِلٍ أَيْ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ الْفَاصِلِ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ عَمَلٌ لَا يَلِيقُ فِي الصَّلَاةِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ وَشِرَاءُ الْحَطَبِ وَالْكَلَامُ، وَأَمَّا الْمَشْيُ وَالْوُضُوءُ فَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الشُّرُوطِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ يُفِيدُ أَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ صَحِيحَةٌ كَالطَّهَارَةِ قَبْلَهُ، لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ اشْتِرَاطَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِلنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَفِي ثُبُوتِهِ تَرَدُّدٌ لَا يَخْفَى لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الصَّوْمِ. اهـ.

وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَمُخَالِطًا لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. اهـ.

وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ عِنْدَنَا هَذَا الِاحْتِيَاطُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الْإِخْلَاصِ وَذَلِكَ عِنْدَ الشُّرُوعِ لَا قَبْلَهُ قُلْنَا النَّصُّ مُطْلَقٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالرَّأْيِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» يُفِيدُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ مَا نَوَى إذَا تَقَدَّمَتْ النِّيَّةُ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ مَا نَوَى خِلَافُ النَّصِّ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقِرَانِ لَا يَخْلُو عَنْ الْحَرَجِ مَعَ مَا فِي الْتِزَامِهِ مِنْ فَتْحِ بَابِ الْوَسْوَاسِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ فَأَحْرَمَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَ، ثُمَّ فَسَّرَ النَّوَوِيُّ الْقِرَانَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ مَعَ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَيَسْتَصْحِبَهَا إلَى آخِرِهِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّدْقِيقُ فِي تَحْقِيقِ الْمُقَارَنَةِ وَأَنَّهُ يَكْفِي الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِصَلَاتِهِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْهَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ فِي مُسَامَحَتِهِمْ فِي ذَلِكَ

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقِرَانِ لِمَكَانِ الْحَرَجِ وَالْحَرَجُ يَنْدَفِعُ بِتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّأْخِيرِ وَجُوِّزَ التَّأْخِيرُ فِي الصَّوْمِ لِلْحَرَجِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَالْعَتَّابِيِّ نَسِيَ النِّيَّةَ فَنَوَى عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا إلَهَ غَيْرُك يَصِيرُ شَارِعًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ عَلَى تَخْرِيجِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى انْتِهَاءِ الثَّنَاءِ، وَقِيلَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقِيلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ كِتَابِ الرَّحْمَةِ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهَا فَرْضٌ لِلصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَهَذَا التَّعْبِيرُ هُوَ الصَّوَابُ لِتَصْرِيحِ الشَّافِعِيَّةِ بِرُكْنِيَّتِهَا فِيهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِيهِ: إنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ رَوَيْت كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْخِلَافُ فِي الْمَشْهُورِ قِيلَ هُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَقِيلَ حُجَّةٌ لِلْعَمَلِ بِمَنْزِلَتِهِ وَأَنَّهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ. (قَوْلُهُ: وَشِرَاءُ الْحَطَبِ وَالْكَلَامُ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ قَدْ وُجِدَتْ الْمَسْأَلَةُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فِي مَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ هَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ تَكُونُ مُقَارَنَةً لَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ مَا لَمْ يَقْطَعْ بِعَمَلٍ. اهـ.

وَفِي الْجَوَاهِرِ وَابْنِ صُبْرٍ بِضَمِّ الصَّادِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ صُبْرٍ الْقَاضِي الْبَغْدَادِيُّ الْفَقِيهُ وُلِدَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ. اهـ.

فَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ أَبُو صَبِرَةَ لَيْسَ بِصَوَابٍ. اهـ.

وَمَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ هُوَ الَّذِي رَأَيْته فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَاسِدٌ إلَخْ) بِهَذَا يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الدُّرَرِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْوَالَ الْآتِيَةَ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا غَفَلَ عَنْ النِّيَّةِ أَمْكَنَ لَهُ التَّدَارُكُ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>