للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ نَوَى بَعْدَ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ أَكْبَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ يَصِحُّ بِقَوْلِهِ اللَّهُ فَكَأَنَّهُ نَوَى بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحِيطِ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي) أَيْ الشَّرْطُ فِي اعْتِبَارِهَا عِلْمُهُ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي أَيْ التَّمْيِيزُ، فَالنِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ لِلْفِعْلِ وَشَرْطُهَا التَّعْيِينُ لِلْفَرَائِضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ لَكَانَ تَكْرَارًا إذْ قَالُوا بَعْدَهُ وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلَكِ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ صَلَاةً فَعَلِمَ أَنَّهَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ أَوْ نَفْلٌ أَوْ قَضَاءٌ يَكُونُ ذَلِكَ نِيَّةً لَهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِلتَّعْيِينِ إذَا أَوْصَلَهَا بالتحريمية. اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْعِلْمَ بِالْقَلْبِ لِإِفَادَةِ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِاللِّسَانِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ وَاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ وَأَدْنَاهُ أَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عَنْهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُجِيبَ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَعَزَاهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَى الْأَجْنَاسِ فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَإِلَّا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عَلَى الشُّرُوعِ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ أَوْ لَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ الْوُضُوءِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبَدَائِعِ

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَمَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُرِيدُ الْفَرْضَ فِي الْجَمَاعَةِ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ كَبَّرَ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ، قَالَ الْكَرْخِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا خَالَفَ أَبَا يُوسُفَ فِي ذَلِكَ. اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِي تَقَدُّمُ أَصْلِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ التَّعْيِينِ لِلْفَرَائِضِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُقَارَنَةُ وَلَا الِاسْتِحْضَارُ لِمَا نَوَاهُ فِي أَثْنَائِهَا، بَلْ كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْضَارِ لَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَوْ احْتَاجَ إلَى تَفَكُّرٍ بَعْدَ السُّؤَالِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا الْعِلْمَ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي ظَاهِرٌ فِيمَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ إفَادَةُ أَنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ لَقَالُوا وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ شَيْءٍ يَفْعَلُ أَيْ لِيُمَيِّزَ الْعِبَادَةَ عَنْ الْعَادَةِ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ مَا قَالَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ كُلِّ صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا عَنْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ كَمَا مَرَّ هِيَ الْإِرَادَةُ أَيْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي اللُّغَةِ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ هُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ الْقَاطِعَةُ وَالْإِرَادَةُ صِفَةٌ تُوجِبُ تَخْصِيصَ الْمَفْعُولِ بِوَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ غَيْرِهِمَا فَالنِّيَّةُ هِيَ أَنْ يَجْزِمَ بِتَخْصِيصِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَالشَّرْطُ فِيهَا أَنْ يُمَيِّزَهَا عَنْ غَيْرِهَا لَكِنْ لَوْ كَانَتْ نَفْلًا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا يُشْتَرَطُ أَيْضًا تَمْيِيزُهَا عَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا فَاشْتِرَاطُ التَّمْيِيزِ هُنَا مُجْمَلٌ بَيْنَ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ إلَخْ فَالتَّكْرَارُ مُنْتَفٍ وَلَوْ سَلَّمَ يُرَدُّ عَلَى مَا ادَّعَى أَنَّهُ الْحَقُّ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَجَابَ بِحَاصِلِ مَا أَجَبْت بِهِ حَيْثُ قَالَ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ هُنَا مُجْمَلٌ وَفِيمَا يَأْتِي مُفَصَّلٌ وَذِكْرُ الْمُفَصَّلِ بَعْدَ الْمُجْمَلِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى. اهـ.

فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ النِّيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ النِّيَّةُ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.

وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي الشرنبلالية عَلَى الدُّرَرِ ثُمَّ قَالَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْإِرَادَةِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَتَأَتَّى نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الظَّاهِرِ وَكَلَامُهَا ظَاهِرٌ. اهـ.

وَهُوَ جَانِحٌ إلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ وَأَدْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ بِذَلِكَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الْعِلْمِ الْمَشْرُوطِ فِي النِّيَّةِ الْحَاصِلِ عِنْدَهَا، يَعْنِي أَنَّ الْعِلْمَ الْمَشْرُوطَ أَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْجَوَابُ فَوْرَ السُّؤَالِ وَإِلَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْعِلْمُ إذْ لَوْ احْتَاجَ إلَى تَأَمُّلٍ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ يُفْهَمُ ذَلِكَ وَلِلَّهِ تَعَالَى دَرُّ الْحَصْكَفِيِّ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ أَيْ عَمَلُ الْقَلْبِ أَنْ يَعْلَمَ عِنْدَ الْإِرَادَةِ بَدَاهَةً بِلَا تَأَمُّلٍ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي حَيْثُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ الْإِرَادَةِ دَفْعًا لِمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَيَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ سَبَقَ عَنْ الْعُيُونِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالنِّهَايَةِ وَمَجْمُوعِ الْمَسَائِلِ وَالْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>