بِاللِّسَانِ مَرْدُودٌ، وَقَدْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْمَشَايِخِ فِي التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ فَذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَنَّهُ يَحْسُنُ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ وَفِي الِاخْتِيَارِ مَعْزِيًّا إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إقَامَتُهَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِإِجْرَائِهَا عَلَى اللِّسَانِ فَحِينَئِذٍ يُبَاحُ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ السُّنَّةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّةِ الْقَلْبِ، فَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ جَازَ وَنُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ الْكَرَاهَةُ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اخْتِيَارُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ» وَهَذِهِ بِدْعَةٌ. اهـ.
وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ لِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ خَاطِرِهِ فَإِذَا ذَكَرَ بِلِسَانِهِ كَانَ عَوْنًا عَلَى جَمْعِهِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ قَالَ وَالنِّيَّةُ بِالْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ وَالتَّكَلُّمُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ وَمَنْ اخْتَارَهُ اخْتَارَهُ لِتَجْتَمِعَ عَزِيمَتُهُ. اهـ.
وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَيْضًا فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ قَصْدِ جَمْعِ الْعَزِيمَةِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ ظُهُورُ الْعَمَلِ بِذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ فَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ أَرَادَ بِهَا الطَّرِيقَةَ الْحَسَنَةَ لَا طَرِيقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَقِيَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّلَفُّظِ بِهَا فَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَهَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْحَاوِي وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا أَرَادَ النَّفَلَ أَوْ السُّنَّةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الصَّلَاةَ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَفِي الْفَرْضِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ أَوْ فَرْضَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ لَك وَأَدْعُوَ لِهَذَا الْمَيِّتِ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَالْمُقْتَدِي يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّيَ فَرْضَ الْوَقْتِ مُتَابِعًا لِهَذَا الْإِمَامِ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ يُفِيدُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا بِنَحْوِ نَوَيْت أَوْ أَنْوِي كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمُتَلَفِّظِينَ بِالنِّيَّةِ مِنْ عَامِّيٍّ وَغَيْرِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ سُؤَالَ التَّوْفِيقِ وَالْقَبُولِ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّلَفُّظِ بِهَا، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي وَجْهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَمْتَدُّ وَيَقَعُ فِيهِ الْعَوَارِضُ وَالْمَوَانِعُ وَهُوَ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ تَحْصُلُ بِأَفْعَالٍ شَاقَّةٍ اُسْتُحِبَّ طَلَبُ التَّيْسِيرِ وَالتَّسْهِيلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُشْرَعْ مِثْلُ هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا فِي وَقْتٍ يَسِيرٍ. اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ قِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَجِّ وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ فِي النِّيَّةِ يَكْفِيهِ اللِّسَانُ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ فِعْلَ اللِّسَانِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْ فِعْلِ الْقَلْبِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْغُنْيَةِ عَزَمَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَوَيْت صَلَاةَ الْعَصْرِ يُجْزِئُهُ.
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِيهِ مُطْلَقُ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ وَالسُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ) ، أَمَّا فِي النَّفْلِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّلَاةِ يَنْصَرِفُ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَهُوَ مُتَيَقِّنٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ أَوْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يُصَلِّي لِغَيْرِ اللَّهِ، وَأَمَّا فِي السُّنَّةِ وَالتَّرَاوِيحِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَجَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَسَبَهُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ مَعْنَى السُّنَّةِ كَوْنُ النَّافِلَةِ مُوَاظَبًا عَلَيْهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْفَرِيضَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَإِذَا أَوْقَع الْمُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ الْمُسَمَّى سُنَّةً فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ إنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَى مَا سَمِعْت فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْوِي السُّنَّةَ بَلْ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَعُلِمَ أَنَّ وَصْفَ السُّنَّةِ ثَبَتَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ) أَخَذَهُ مِنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَعِبَارَتُهُ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ لَهُ فِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ فِعْلِ اللِّسَانِ فِي هَذَا مَقَامَ عَمَلِ الْقَلْبِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ بَدَلًا مِنْهُ لَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّ الْإِبْدَالَ لَا تُنْصِبُ بِالرَّأْيِ، وَقَدْ يَسْقُطُ الشَّرْطُ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا إلَى بَدَلٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ، وَقَدْ يَسْقُطُ الْمَشْرُوطُ بِوَاسِطَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى شَرْطِهِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ دُونَ الْبَاقِي يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَأَيْنَ الدَّلِيلُ هُنَا عَلَى إقَامَةِ فِعْلِ اللِّسَانِ مُقَامَ فِعْلِ الْقَلْبِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ الشَّارِعِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute