بَعْدَ فِعْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ تَسْمِيَةٌ مِنَّا بِفِعْلِهِ الْمَخْصُوصِ لَا أَنَّهُ وَصْفٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُهُ عَلَى نِيَّتِهِ وَذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ فِي فَصْلِ التَّرَاوِيحِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي السُّنَنِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلْ يَحْتَاجُ لِكُلِّ شَفْعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ وَيُعَيِّنَ قَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ صَلَاةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالِاحْتِيَاطُ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ يَنْوِيَ التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي السُّنَّةِ يَنْوِي السُّنَّةَ. اهـ.
أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السُّنَّةِ فَشَمِلَ سُنَّةَ الْفَجْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَهَجُّدًا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَتَا عَنْ السُّنَّةِ وَفِي آخِرِ الْعُمْدَةِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْفَجْرِ فَوَقَعَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الطُّلُوعِ يُحْتَسَبُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ بَعْدَ الطُّلُوعِ وَلَمْ تَحْصُلْ، وَقَدْ قَالُوا فِي سُجُودِ السَّهْوِ: إنَّهُ لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْقُعُودِ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ التَّنَفُّلُ مَكْرُوهًا فِي الْفَجْرِ جَعَلْنَاهُمَا سُنَّةً بِخِلَافِهِ فِي الظُّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي تُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَلَى أَنَّهَا آخِرُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ لِلشَّكِّ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا تَنُوبُ عَنْ سُنَّتِهَا عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ وَبِهِ تَتَأَدَّى السُّنَّةُ وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَا تَنُوبُ لِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْفَرْضِ شَرْطُ تَعْيِينِهِ كَالْعَصْرِ مَثَلًا) لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ بِالْيَوْمِ كَعَصْرِ الْيَوْمِ سَوَاءٌ خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ لَا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَهُوَ جَائِزٌ عَلَى الصَّحِيحِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَ فَوَقَعَ صَوْمُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ وَهَذَا قَضَاءٌ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمِلَ مَا إذَا قَرَنَ بِالْوَقْتِ كَعَصْرِ الْوَقْتِ أَوْ فَرَضَ الْوَقْتَ وَقَيَّدَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِعَدَمِ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الصَّحِيحِ وَجَعَلَ هَذَا الْقَيْدَ الشَّارِحُ قَيْدًا فِي فَرْضِ الْوَقْتِ فَقَطْ مُعَلِّلًا بِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إذَا تَبَيَّنَ صِحَّةَ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ سَابِقٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: وَجَعَلَ هَذَا الْقَيْدَ الشَّارِحُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا وَهْمٌ فَإِنَّ لَفْظَ الشَّارِحِ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ الْوَقْتِ مَثَلًا أَوْ فَرْضَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ فَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ الظُّهْرِ. اهـ.
أَيْ وَكَذَلِكَ ظُهْرُ الْوَقْتِ فَقَدْ جَعَلَهُ قَيْدًا فِيهِمَا كَمَا تَرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَظُهْرِ الْيَوْمِ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ.
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَمَنْ تَأَمَّلَ وَجَدَ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفِي وَقْتِ الْعَصْرِ صَلَاةٌ تُسَمَّى فَرْضُ الْوَقْتِ فَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ لِلِاشْتِبَاهِ وَلَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ تُسَمَّى ظُهْرَ الْوَقْتِ فَلَا يَشْتَبِهُ الْحَالُ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ قَابِلَةٌ لِمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ بَلْ قَرِيبَةٌ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ. اهـ.
لَكِنْ اعْتَرَضَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ كَلَامَ النَّهْرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْقَيْدَ لَهُمَا كَمَا فَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ التَّبْيِينِ فِي التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّبْيِينِ بَعْدَهُ وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِهِ يَجُوزُ مُطْلَقًا يُعْطِي خِلَافَهُ. اهـ.
ثُمَّ نَقَلَ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا نَحْوَ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ إشَارَةٍ إلَى أَنَّ ظُهْرَ الْوَقْتِ كَفَرْضِ الْوَقْتِ لَا كَظُهْرِ يَوْمِهِ طِبَاقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ وَأَفْهَمَهُ التَّبْيِينُ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ مَلَكٍ وَهُوَ أَقْدَمُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَفِي الْمُحِيطِ الْأَوْلَى فِي نِيَّةِ الْفَرْضِ مَثَلًا أَنْ يَقُولَ نَوَيْت ظُهْرَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ظُهْرَ الْوَقْتِ أَوْ فَرْضَهُ فَكَانَ الْوَقْتُ خَارِجًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ لَا يُجْزِئُهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ ظُهْرَ الْيَوْمِ فَيُجْزِئُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ خَارِجًا أَوْ بَاقِيًا. اهـ.
لَكِنْ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي وَلَوْ شَكَّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ فَنَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظُهْرًا، وَقَدْ يَكُونُ عَصْرًا وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ أَوْ عَصْرَهُ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ. اهـ.
لَكِنَّ هَذَا يَرِدُ عَلَى حَصْرِ التَّبْيِينِ الْمُخَلِّصَ عَنْ الشَّكِّ فِي ظُهْرِ الْيَوْمِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا سَلَكَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ قَطْعِ ظُهْرِ الْوَقْتِ عَنْ التَّعْلِيلِ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ بَيْنَ صُورَةِ الشَّكِّ وَبَيْنَ صُورَةِ مَسْأَلَتِنَا فَرْقًا مِنْ حَيْثُ وُجُودُ الشَّكِّ فِيهَا الْغَيْرِ الْمُمَحَّضِ النِّيَّةَ بِخِلَافِ صُورَتَيْ النِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ فَتَحَصَّلَ لَنَا أَنَّ نِيَّةَ ظُهْرِ الْوَقْتِ وَفَرْضَ الْوَقْتِ لَا تُجْزِيَانِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ مَالِكٍ وَالْفَتْحِ وَأَفْهَمَهَا عِبَارَاتُ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتْحِ النِّسْيَانَ مَكَانَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَتُجْزِئُ الْأُولَى فِي صُورَةِ الشَّكِّ فِي خُرُوجِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَأَمَّا ظُهْرُ الْيَوْمِ فَيُجْزِئُ