لَا يَصِحُّ فَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً كَمَا إذَا فَاتَتْهُ الظُّهْرُ فَنَوَى فِي وَقْتِ الْعَصْرِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ فَهِيَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْوَقْتِيَّةَ وَاجِبَةٌ لِلْحَالِ وَغَيْرُهَا لَا. اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ تَرْتِيبٍ وَإِلَّا فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُنْيَةِ أَيْضًا لَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً فَهِيَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْوَقْتِيَّةِ. اهـ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ وَأَفَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَكْتُوبَتَيْنِ فَائِتَتَيْنِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَأَقَرَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ
ــ
[منحة الخالق]
أَقُولُ: ذَكَرَ الْخَلَّاطِيُّ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مَا يُخَالِفُ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا فَلْنَذْكُرْ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ مُوَضِّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ اعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضَيْنِ مَعًا إنْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ لَغْوًا عِنْدَ هُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَصُورَتُهُ مَا لَوْ كَبَّرَ يَنْوِي ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا عَلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَالِمًا بِأَوَّلِهِمَا أَوْ لَا فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ رَفَعَهُ وَأَبْطَلَهُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ ثُمَّ كَبَّرَ يَنْوِي عَصْرًا عَلَيْهِ بَطَلَتْ الظُّهْرُ وَصَحَّحَ شُرُوعَهُ فِي الْعَصْرِ لِامْتِنَاعِ كَوْنِهَا ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا فَإِذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةُ رَفْعِ الْأُخْرَى بَعْدَ ثُبُوتِهَا يَكُونُ لَهَا قُوَّةُ دَفْعِهَا عَنْ الْمَحَلِّ قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَهُ إمَّا بِالْحَاجَةِ إلَى التَّعْيِينِ وَإِمَّا بِالْقُوَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَمْرَيْنِ ثُمَّ إطْلَاقُ الْفَرْضَيْنِ يَتَنَاوَلُ مَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَكْتُوبَةِ أَوْ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ كَالْمَنْذُورِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَفَاسِدِ النَّفْلِ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالظُّهْرَيْنِ وَالْجِنَازَتَيْنِ وَالْمَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ مَعَ النَّذْرِ أَوْ مَعَ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ: إنَّ نَاوِيَ الْفَرْضَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُتَنَفِّلٌ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ
وَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضَيْنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْكَفَّارَةِ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً وَيَكُونُ مُتَنَفِّلًا إلَّا إذَا كَانَ الْفَرْضَانِ كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مُفْتَرِضًا فَإِذَا نَوَى بِكُلِّ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ لِلْفَقِيرِ زَكَاةً وَكَفَّارَةً ظِهَارًا وَنَوَى الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ أَوْ لَبَّى مَنْ كَانَ حَجَّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ يَنْوِي حَجَّتَيْنِ مَنْذُورَتَيْنِ صَارَ شَارِعًا فِي نَفْلٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَيْنِ هُنَا تَدَافَعَا وَصْفًا وَهُوَ جِهَةُ الصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ لَا أَصْلًا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الطَّارِئِ دُونَ الْقَائِمِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ التَّدَافُعُ مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِلنَّفْلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ التَّدَافُعُ فِيهَا مِنْ حَيْثُ الْأَصْلُ عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ فَبَطَلَا جَمِيعًا، وَأَمَّا فِي كَفَّارَتَيْنِ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ ظِهَارَيْنِ مِنْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ عَنْ إفْطَارَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ رَمَضَانَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْجِهَتَانِ لَا أَصْلًا وَلَا وَصْفًا فَلَا يَلْغُو الْعِتْقُ كَمَا لَغَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَقَعُ نَفْلًا كَمَا فِي الصَّوْمِ وَأَخَوَاتِهِ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا عَنْ أَحَدِهِمَا اسْتِحْسَانًا لِإِلْغَاءِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِذَا لَغَا يَبْقَى نِيَّةُ أَصْلِ التَّكْفِيرِ فَيَكْفِي عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَطْلَقَ وَإِذَا نَوَى فَرْضًا وَنَفْلًا فَهُوَ مُفْتَرِضٌ كَمَا إذَا نَوَى الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ الصَّوْمَ عَنْ الْقَضَاءِ وَالتَّطَوُّعِ أَوْ أَهَلَّ مِنْ حَجٍّ لِلْإِسْلَامِ يَنْوِي حَجَّةَ نَذْرٍ وَتَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ وَتَبْطُلُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ تَرْجِيحًا لِلْفَرْضِ بِقُوَّتِهِ أَوْ حَاجَتِهِ إلَى التَّعْيِينِ فَيَلْغُو مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ وَيُعْتَبَرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا إذَا بَاعَ سِوَارًا وَعَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ السِّوَارِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى حِصَّةِ السِّوَارِ لِئَلَّا يَفْسُدَ الْبَيْعُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الصَّلَاةِ تَلْغُو فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ ظُهْرًا أَوْ نَفْلًا أَوْ ظُهْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ بِأَنْ نَوَى حَجَّةً مَنْذُورَةً وَحَجَّةً تَطَوُّعًا يَكُونُ مُتَنَفِّلًا بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي الْفَرْضِ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى
وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِأَنَّهُ لَمَّا لَغَتْ نِيُّهُ الْجِهَتَيْنِ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلْفَارِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَوْ نَوَى صَلَاتَيْنِ مَكْتُوبَتَيْنِ لَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَتَا فَائِتَتَيْنِ أَوْ فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً وَسَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ ضَاقَ وَقْتُ الْوَقْتِيَّةِ أَوْ لَا وَلَعَلَّهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ اعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ تَرْجِيحَ الْقُوَّةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَتَأَمَّلْ أَوْ هُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ إلَخْ) هَذِهِ الْإِفَادَةُ إنَّمَا تَتِمُّ لَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُنْيَةِ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْوَقْتِيَّةَ مَعَ الْفَائِتَةِ أَوْ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا، أَمَّا لَوْ حُمِلَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا يَتِمُّ مَا ذَكَرَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلُ أَنَّهُ فِي الْمُنْيَةِ ذَكَرَ حُكْمَ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ الْفَائِتَةِ فِيمَا يُعِيدُهُ مُغَايِرًا لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ فَتَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِقَوْلِهِ وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَتَيْنِ إلَخْ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا الْوَقْتِيَّةُ مَعَ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا فَلَا مُخَالَفَةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ فَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute