للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَهُوَ لُزُومُ قَضَاءِ الدَّيْنِ.

وَمَسَائِلُ الْإِطْعَامِ عَلَى فُصُولٍ: الْأَوَّلِ: لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لِكَفَّارَةِ يَمِينِهِ، وَغَدَّى الْوَصِيُّ عَشَرَةَ ثُمَّ مَاتُوا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُغَدِّي وَيُعَشِّي عَشَرَةً أُخْرَى وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ غَدَّاهُمْ بِأَمْرِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ التَّغْدِيَةَ إطْعَامٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ، وَفَاتَ الْإِكْمَالُ لَا بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ قَالَ: أَطْعِمُوا عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً، وَلَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةً فَغَدَّى عَشَرَةً ثُمَّ مَاتُوا فَإِنَّهُ يُعَشِّي عَشَرَةً سِوَاهُمْ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ سَدُّ عَشَرَةِ خُلَّاتٍ وَرَدُّ عَشَرَةِ جَوْعَاتٍ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّغْدِيَةِ، وَالتَّعْشِيَةِ وَبِالْمَوْتِ فَاتَ ذَلِكَ فَيُغَدِّي وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ فَأَمَّا إذَا نَصَّ عَلَى الْإِطْعَامِ غَدَاءً وَعَشَاءً فَالْجَمْعُ، وَالتَّفْرِيقُ سَوَاءٌ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَالَ: أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَغَدَّى عَشَرَةً ثُمَّ مَاتُوا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ قِيَاسًا وَلَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْإِطْعَامِ مُطْلَقًا فَالْتَحَقَ بِالْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ شَرْعًا فِي الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْغَدَاءِ، وَالْعِشَاءِ فَسَوَاءٌ فَرَّقَ أَوْ جَمَعَ جَازَ.

رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا، وَقَالَ: إنْ مِتُّ فَادْفَعْهُ إلَى ابْنِي فَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُ ضَمِنَ حِصَّتَهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا وَصِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ فَبَقِيَ أَمِينًا لِلْوَرَثَةِ، وَالْأَمِينُ إذَا دَفَعَ مَالَ الْوَرَثَةِ إلَى أَحَدِهِمْ ضَمِنَ، وَإِنْ قَالَ أَدْفَعُهُ إلَى فُلَانٍ غَيْرِ وَارِثٍ ضَمِنَ الْمَالَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا خَلَطَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ بِمَالِهِ، فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ حِفْظِهِ كَيْفَمَا كَانَ مَرِيضٌ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ قَرَابَتُهُ يَأْكُلُونَ مِنْ مَالِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: إنْ أَكَلُوا بِأَمْرِ الْمَرِيضِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ وَارِثًا ضَمِنَ وَمَنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ حُسِبَ ذَلِكَ مِنْ ثُلُثِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: احْتَاجَ الْمَرِيضُ إلَى تَعَاهُدِهِمْ فِي مَرَضِهِ فَأَكَلُوا مَعَهُ وَمَعَ عِيَالِهِ بِغَيْرِ إسْرَافٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.

رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَ وَصِيَّهُ رَقِيقَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَضَاعَ عِنْدَهُ أَوْ مَاتَ بَعْضُ الرَّقِيقِ فِي يَدِ الْوَصِيِّ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْمُشْتَرِي فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلْغُرَمَاءِ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ وَلَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَعْمُولِ لَهُ وَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ لَمْ يَرْجِعْ الْوَصِيُّ بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ أَمَرُوهُ بِبَيْعِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لَهُ بِعْ رَقِيقَ الْمَيِّتِ وَاقْضِنَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانُوا قَالُوا: بِعْ عَبْدَ فُلَانٍ هَذَا رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَيَّنُوهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِنْ دَيْنِهِمْ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِمْ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَإِنَّهُ لِفُلَانٍ فَقَالَ الْوَصِيُّ لَا أَبِيعُهُ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ، وَقَدْ ضَاعَ الثَّمَنُ رَجَعَ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الْغَرِيمِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَكِنَّ الْوَصِيَّ بَاعَ الرَّقِيقَ لِلْوَرَثَةِ الْكِبَارِ فَهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَ الْمَيِّتِ لِلْغُرَمَاءِ فَضَاعَ الثَّمَنُ عِنْدَهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الرَّقِيقَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لَا عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْغُرَمَاءِ كَأَنَّهُمْ نَالُوا الْبَيْعَ بِأَنْفُسِهِمْ.

رَجُلٌ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ فَهُوَ ضَامِنٌ أَرْشَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنَّمَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَجْنِيَ فَلَمَّا جَنَى لَمْ يَكُنْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُعْتِقَهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْجِنَايَةَ عَنْهُ فَإِذَا أَعْتَقَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي عِتْقِهِ، وَالْجِنَايَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ عِنْدَ الْقَاضِي: قَدْ اخْتَرْت إمْسَاكَ الْعَبْدِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ شُهُودًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَدْفَعَ الْعَبْدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ غَيْرَ الْعَبْدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ وَيُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ مِنْ ثَمَنِهِ فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْد مَا اخْتَارَهُ فَالْجِنَايَةُ دَيْنٌ عَلَى الْأَيْتَامِ حَتَّى يُؤَدُّوهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ) ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ كَالْوَكِيلِ.

وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ عَامِلًا لِلْوَرَثَةِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَيَرْجِعُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيَأْخُذُ حُكْمَهَا وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَلْ بِحُكْمِ الْغُرُورِ، وَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ يُقْضَى مِنْ جَمِيعِ التَّرِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ هَلَكَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا وَفَاءٌ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَمَا فِي سَائِرِ دُيُونِ الْمَيِّتِ، وَفِي الْمُنْتَقَى: لَا يَرْجِعُ الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَسَاكِينِ الَّذِينَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ فَكَانَ غُرْمُهُ عَلَيْهِمْ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ بَاعَ مَالَهُ وَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>