؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضًا عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةَ وَعِنْدِي فِي صِحَّتِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ بُعْدٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ وَاجِبٍ شَرَعَ فِيهِ وَلَمْ يُتِمَّهُ كَالْفَاتِحَةِ، وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ التَّشَهُّدَ وَالصَّلَاةَ فَشَمِلَ الْمَسْبُوقَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ كَغَيْرِهِ
وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فَاخْتَلَفُوا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ اخْتَارَ ابْنُ شُجَاعٍ تَكْرَارَ التَّشَهُّدِ وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ السُّكُوتَ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ يَتَرَسَّلُ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ عِنْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْفَتَاوَى كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ الْإِمَامُ إذَا تَكَلَّمَ وَالْمُقْتَدِي بَعْدُ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ قَرَأَ، وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ وَالْإِمَامُ إذَا سَلَّمَ وَالْمُقْتَدِي لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْمُقْتَدِي فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا.
(قَوْلُهُ وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ بِالدُّعَاءِ الْمَوْجُودِ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْمُشَابَهَةِ إذْ الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ لَا يُشَابِهُهُ شَيْءٌ وَلَكِنْ أَطْلَقَهَا لِإِرَادَتِهِ نَفْسَ الدُّعَاءِ لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِثْلَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: ٢٨٦] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: ٨] {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: ٢٨] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة: ٢٠١] إلَى آخِرِ كُلٍّ مِنْ الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ، يَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظٍ أَيْ دَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ السُّنَّةِ وَهِيَ الْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ وَمِنْ أَحْسَنِهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» وَيَجُوزُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ أَوْ مَا أَيْ دَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ السُّنَّةِ أَوْ دَعَا بِالسُّنَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدُّعَاءَ آخِرَهَا سُنَّةٌ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُوَ بِهِ» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ «، ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ» وَلَهُ حَدِيثٌ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا «دَعَا يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ «قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالدُّبُرُ يُطْلَقُ عَلَى مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيه وَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَيُرَادُ بِهِ وَرَاءَهُ وَعَقِبَهُ أَيْ الْوَقْتَ الَّذِي يَلِيه وَقْتُ الْخُرُوجِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ أَوْفَقُ لِاسْتِمَاعِ الدُّعَاءِ فِيهِ أَوْلَى بِاسْتِحْبَابِهِ
وَأَطْلَقَ فِي الْمَدْعُوِّ لَهُ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَخُصَّ الْمُصَلِّي نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩] وَلِلْحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَدْعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَهِيَ خِدَاجٌ» ، ثُمَّ ظَاهِرُ النُّصُوصِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ نَفْسِهِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَا بِدُعَاءٍ بَدَأَ بِنَفْسِهِ» ، وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِإِيمَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِ وَلَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ الْمَالِكِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بِأَنْ قَالَ إنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ كُفْرٌ لِطَلَبِهِ تَكْذِيبَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ وَالِدَيْ سَيِّدِنَا نُوحٍ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ، ثُمَّ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ، وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَالدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِ بِهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُ: الْمَغْفِرَةَ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ
وَأَمَّا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِتَحْرِيمَتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخِ الْقَرَافِيِّ وَأَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ اهـ.
وَقَوْلُهُ، وَرَدَّهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا سَيَأْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute