الثَّلَاثَةِ، وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَيْهِ اسْمَ السُّنَّةِ فَضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ لِلْمُوَاظَبَةِ، وَهُوَ صِيغَةُ السَّلَامِ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَجَعَلَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي خَاصًّا بِالْإِمَامِ، فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْأَخِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ: وَبَرَكَاتُهُ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثَابِتٌ لَكِنْ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ وَتَعَقَّبَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ النَّوَوِيَّ بِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَقَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ وَرَدٌّ عَلَى مَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْيَسَارِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَلَا يُعِيدُهُ عَلَى يَسَارِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَنَسِيَ عَنْ يَسَارِهِ حَتَّى قَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَا يُحَوِّلُ بِهِ وَجْهَهُ
وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» ، وَفِي النَّوَازِلِ لَوْ قَالَ: السَّلَامُ، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فَثَبَتَ أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ، وَقَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ يَعْنِي الْأَفْضَلَ لِلْمَأْمُومِ الْمُقَارَنَةُ فِي التَّحْرِيمَةِ وَالسَّلَامِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ عَدَمُهَا لِلِاحْتِيَاطِ وَلَهُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنَّمَا شَبَّهَ السَّلَامَ بِالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي التَّحْرِيمَةِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا فِي السَّلَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ مَا فِي الْكِتَابِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَوْلُهُ: نَاوِيًا الْقَوْمَ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخْذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُرَادُ بِالْأَخِ الْجِنْسُ مِنْ إخْوَانِهِ الْحَاضِرِينَ عَنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَيُزَادُ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ مَزِيدُ التَّوَدُّدِ، وَأَمَّا مَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْ الْخَلْقِ وَعِنْدَ التَّحَلُّلِ يَصِيرُ خَارِجًا فَيُسَلِّمُ كَمُسَافِرٍ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فَلَا يُفِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَعُمُّ الْحَاضِرِينَ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ لِلسُّنَّةِ فَيَنْوِيَهَا كَسَائِرِ السُّنَنِ، وَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنْوِي السُّنَّةَ وَخَالَفَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِلْإِمَامِ إلَى النِّيَّةِ فِي السَّلَامِ آخِرَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسَّلَامِ وَيُشِيرُ إلَيْهِمْ فَهُوَ فَوْقَ النِّيَّةِ
وَرُدَّ بِأَنَّ الْجَهْرَ لِلْإِعْلَامِ بِالْخُرُوجِ وَالنِّيَّةَ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ وَأَرَادَ بِالْقَوْمِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْوِي جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَنْوِي مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ ضَعِيفٌ، وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ كَلَامُ التَّشَهُّدِ وَزَادَ السُّرُوجِيُّ وَأَنَّهُ يَنْوِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْجِنِّ أَيْضًا وَخَرَجَ بِذِكْرِ الْقَوْمِ النِّسَاءُ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ أَوْ لِكَرَاهِيَّتِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَنْوِي الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اخْتِلَافَ فَمَا فِي الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِهِ فَصَارَ الْمَدَارُ فِي النِّيَّةِ وَعَدَمِهَا حُضُورَهُنَّ وَعَدَمَهُ حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْمُقْتَدِينَ خَنَاثَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَخْفِضُ الثَّانِيَةَ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَكَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُخْفِيهَا وَلَا يَجْهَرُ بِهَا أَصْلًا لِمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْجَهْرِ أَيْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْجَهْرِ الْإِعْلَامُ، وَقَدْ حَصَلَ بِالْأُولَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ بِالْأُولَى وَالْأَصَحُّ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأُولَى وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَعْقِيبِ الثَّانِيَةِ إيَّاهَا إلَّا أَنَّ الْمُقْتَدِينَ يَنْتَظِرُونَ الْإِمَامَ فِيهَا وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا أَوْ يَسْجُدُ قَبْلَهَا لِسَهْوٍ حَصَلَ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ وَهِيَ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَخْ (قَوْلُهُ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ لَا يَأْتِي بِهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ لَا يَكُونُ دَاخِلًا) أَيْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ قَوْلِهِ: السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ اقْتِدَاءٌ بِغَيْرِ مُصَلٍّ (قَوْلُهُ فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يُمْكِنُ تَخْرِيجُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَفْظُهُ: وَيَنْوِي مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا. اهـ.
إذْ الْمَعْنَى مَنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ كَائِنًا فِي الْمَسْجِدِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَزْمِ بِضَعْفِهِ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِذِكْرِ الْقَوْمِ النِّسَاءُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ لُغَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: ١١] الْآيَةَ وَقَوْلِ الشَّاعِرِ
أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute