للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ صِبْيَانٌ نَوَاهُمْ أَيْضًا، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا وَهَذَا حَقٌّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ

وَقَوْلُهُ نَاوِيًا الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ يَعُمُّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ، وَقَوْلُهُ وَالْإِمَامُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَوْمِ خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ يَعْنِي أَنَّ الْمَأْمُومَ يَزِيدُ فِي نِيَّتِهِ نِيَّةَ السَّلَامِ عَلَى إمَامِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إذَا كَانَ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ لَوْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ فَيَنْوِي بِالْأُولَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ مِنْهُمْ وَعَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ يَنْوِي الْحَاضِرِينَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَيْضًا وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ يَنْوِي جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، ثُمَّ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ الْقَوْمَ عَلَى الْحَفَظَةِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الْأَصْلِ عَلَى الْعَكْسِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهِيَ تَنْظِيمُ الْكُلِّ بِلَا تَرْتِيبٍ وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبُدَاءَةِ أَثَرٌ فِي الِاهْتِمَامِ، وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَصَايَا بِالنَّوَافِلِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ فَدَلَّ مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ أَنَّ مُؤْمِنِي الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَذَلِكَ أَنَّ عِنْدَهُمْ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ خَارِجٌ مِنْ الْإِيمَانِ وَقَلَّ مَا يَسْلَمُ مُؤْمِنٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَعِنْدَنَا هُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ، ثُمَّ هُوَ مُبْتَلًى بِالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ فَكَانَ أَحَقَّ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ مَنْزِلَةَ خَدَمِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ نَسَبَهُ الشَّارِحُ إلَى الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَمَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ تَفَضُّلِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ نَسَبَهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى بَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ، وَنَصَّ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَرَضِيُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْأَتْقِيَاءِ مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ لَا مَنْ اتَّقَاهُ مَعَ الْمَعَاصِي فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ فَسَقَةَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وِإِسْرَافِيلُ وَعِزْرَائِيلُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرَضْوَانُ وَمَالِكٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ وَاخْتَلَفُوا أَنَّ سَائِرَ النَّاسِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَمْ سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ

وَقَالَا: سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ - سَلامٌ} [الرعد: ٢٣ - ٢٤] الْآيَةَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَزُورُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ إلَخْ) عِبَارَتُهُ وَعَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي السَّلَامِ صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ وَلِهَذَا لَوْ سَأَلْت أُلُوفَ أُلُوفٍ مِنْ النَّاسِ إيشِ نَوَيْت بِسَلَامِك؟ لَا يَكَادُ يُجِيبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ طَائِلٌ إلَّا الْفُقَهَاءُ، وَفِيهِمْ نَظَرٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ يَعُمَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ إذْ قَوْلُهُ حِينَئِذٍ وَالْإِمَامُ تَكْرَارٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ فَدَلَّ مَا ذُكِرَ هُنَا إلَخْ) أَيْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ الْأَصْلِ تَصْنِيفًا (قَوْلُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَوَّلَ قَسَّمَ الْبَشَرَ إلَى قِسْمَيْنِ: خَوَاصُّ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَعَوَامُّ وَهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَا الْمَلَائِكَةُ، وَالثَّانِي قَسَّمَهُمْ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: خَوَاصُّ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَوْسَاطٌ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ، وَعَوَامُّ وَهُمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَجَعَلَ الْمَلَائِكَةَ قِسْمَيْنِ، ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ جَعَلَ عَوَامَّ الْبَشَرِ الَّذِينَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ الْأَوْسَاطُ عَلَى الثَّانِي أَفْضَلَ مِمَّنْ عَدَا خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ، وَالثَّانِيَ جَعَلَ أَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ، وَكَذَا عَوَامُّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْعِبَارَتَانِ عَلَى أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ أَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةُ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِيمَنْ عَدَا الْأَوْسَاطَ مِنْ الْبَشَرِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ هُمْ كَالْأَوْسَاطِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ اخْتِيَارُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُحِيطِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْعَوَامِّ مَا يَشْمَلُ الْأَوْسَاطَ وَمَنْ دُونَهُمْ لِقَوْلِ قَاضِي خَانْ عَمَّا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَرْضِيُّ لِيَتَوَارَدَ الِاخْتِيَارَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ مِنْ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَهُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَكِ وَأَوْسَاطِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا مَرَّ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ عَدَا أَوْسَاطَ الْبَشَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>