وَالْمَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الزَّائِرِ اهـ.
وَالْحَفَظَةُ جَمْعُ حَافِظٍ كَكَتَبَةٍ جَمْعُ كَاتِبٍ وَسُمُّوا بِهِ لِحِفْظِهِمْ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْإِنْسَانِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ أَوْ لِحِفْظِهِمْ إيَّاهُ مِنْ الْجِنِّ وَأَسْبَابِ الْمَعَاطِبِ وَالثَّانِي يَشْمَلُ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَاخْتُلِفَ فِي نِيَّةِ الْحَفَظَةِ فَقِيلَ يَنْوِي الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ، وَقِيلَ الْحَفَظَةَ الْخَمْسَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسَةً مِنْهُمْ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبَانِ أَعْمَالَهُ وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلَقِّنُهُ الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَوَاحِدٌ عَنْ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَنْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَفِي بَعْضِهَا «مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ سِتُّونَ مَلَكًا» ، وَفِي بَعْضِهَا «مِائَةٌ وَسِتُّونَ» وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمُوَافَقَتِهِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَنْ عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - اهـ.
مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَدَدُ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الرُّسُلِ فَقَالَ بَعْدَمَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ: إنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَالرُّسُلُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمْعًا غَفِيرًا كَذَا فِي الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ لَمْ يُعَارِضْ قَوْله تَعَالَى {وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: ١٦٤]
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ هَلْ يَتَبَدَّلَانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَقِيلَ يَتَبَدَّلَانِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَكِنْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقِيلَ لَا يَتَغَيَّرَانِ عَلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِمَا، فَقِيلَ: فِي الْفَمِ، وَإِنَّ اللِّسَانَ قَلَمُهُمَا وَالرِّيقَ مِدَادُهُمَا لِلْحَدِيثِ «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْخِلَالِ فَإِنَّهَا مَجْلِسُ الْمَلَكَيْنِ الْحَافِظَيْنِ» إلَى آخِرِهِ، وَقِيلَ تَحْتَ الشَّعْرِ عَلَى الْحَنَكِ، وَقِيلَ الْيَمِينُ وَالْيَسَارُ، ثُمَّ قَالُوا: إنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُهُ عِنْدَ الْغَائِطِ وَالْجِمَاعِ زَادَ الْقُرْطُبِيُّ، وَفِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ سَيِّئَةً فِيهَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَكْتُبَانِهِ، فَقِيلَ: مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَعَزَاهُ فِي الِاخْتِيَارِ إلَى مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا مَتَى يُمْحَى الْمُبَاحُ، فَقِيلَ: آخِرَ النَّهَارِ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْكِتَابَةِ وَالْمَكْتُوبَ فِيهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَوْسَعَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَذَكَرَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ لَا يَنْوِي الْكَتَبَةَ إذْ لَيْسُوا مَعَهُ، وَإِنَّمَا يَنْوِي الْحَافِظِينَ لَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَالْكَتَبَةَ، لِيَعُمَّ كُلَّ مُصَلٍّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ
وَقَدْ قَالُوا: إنْ كَانَ إمَامًا وَكَانَتْ صَلَاةً يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَتَحَوَّلُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَالثَّانِي) أَيْ التَّعْلِيلُ الثَّانِي لِتَسْمِيَتِهِمْ حَفَظَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالُوا إنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَجَنَّبُونَ الْإِنْسَانَ عِنْدَ غَائِطِهِ، وَعِنْدَ جِمَاعِهِ قُلْت: وَيَحْتَاجُ الْجَزْمُ بِهَذَا إلَى وُجُودِ سَمْعِيٍّ ثَابِتٍ يُفِيدُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْخَلَاءِ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ أَيُّهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ عَلَيَّ اجْلِسَا هَاهُنَا فَإِنِّي قَدْ عَاهَدْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ فِي الْخَلَاءِ لَكَانَ فِيهِ رَدٌّ لِهَذَا لَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ كَلَامُهُ.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُفَارِقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَلَكَانِ مَعًا اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَزَادَ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ مَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِعَلَامَةٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى دَلِيلٍ فَلْيُرَاجَعْ مَا دَلِيلُ الْمُفَارَقَةِ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَخْصِيصَهَا بِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ كَذَا فِي حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلْمَدَارِيِّ.
(قَوْلُهُ زَادَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الصَّلَاةِ إلَخْ) يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقُ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ» كَذَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ بَلْ الْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَكِ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَة، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ» الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي مُصَلَّاهُ فَإِنَّمَا يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ وَمَلَكُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَقَرِينُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَالْبُزَاقُ عَنْ يَسَارِهِ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الشَّيْطَانِ» وَلَمْ يَزِدْ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْبُزَاقِ عَنْ الْيَمِينِ تَشْرِيفًا لَهَا. اهـ.
وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَكْتُبُهُ مَلَكُ السَّيِّئَاتِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْهُ فِيهَا مَا يَكُون سَيِّئَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِمُلَازَمَةِ الْمَلَكِ لَهُ تَلَبُّسَهُ بِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِوُجُودِ مَا يَكْتُبُهُ وَلِمُفَارَقَتِهِ تَلَبُّسَهُ بِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ لِعَدَمِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَلَكُ السَّيِّئَاتِ مُفَارِقًا لَهُ فِي حَالِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَلَكَانِ مُفَارِقَيْنِ لَهُ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُهُ. كَذَا فِي حَوَاشِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ لِلْمَدَارِيِّ