وَكَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِمَعْنَى النَّصِّ لَا يُقَالُ لَوْ أَجْرَيْنَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ أَدَّى إلَى تَقْدِيمِ الظَّنِّيِّ عَلَى الْقَطْعِيِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ لَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ ذَلِكَ لَكُنَّا نَحْكُمُ بِالْإِجْزَاءِ وَنُوجِبُ إعَادَةَ مَا وَقَعَ مُجْزِئًا شَرْعًا مُطْلَقًا وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ فِي نَظِيرِ وُجُوبِ إعَادَةِ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ نَحْكُمُ بِإِجْزَائِهَا، وَيَجِبُ إعَادَتُهَا مُطْلَقًا اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ صَلِّ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) لِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بِغَلَسٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ آخِرُ اللَّيْلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ لِلْحَاجَةِ إلَى الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قِفْ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا مُلَبِّيًا مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاعِيًا رَبَّك بِحَاجَتِك وَقِفْ عَلَى جَبَلِ قُزَحَ إنْ أَمْكَنَك، وَإِلَّا فَبِقُرْبٍ مِنْهُ) بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ وَقَفَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ وَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَصَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِسُقُوطِهِ لِلْعُذْرِ بِأَنْ يَكُونَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ هَذَا الْوَاجِبَ بَلْ كُلَّ وَاجِبٍ إذَا تَرَكَهُ لِلْعُذْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الرَّجُلَ لَوْ مَرَّ قَبْلَ الْوَقْتِ لِخَوْفِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ جَازَ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلَوْ مَرَّ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُزْدَلِفَةِ جَازَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَاخْتُلِفَ فِي جَبَلِ قُزَحَ فَقِيلَ هُوَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَقِيلَ الْمَشْعَرُ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَيْتُوتَةَ بِمُزْدَلِفَةَ وَهِيَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهَا كَمَا لَوْ وَقَفَ بَعْدَمَا أَفَاضَ الْإِمَامُ قَبْلَ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ شُرِعَتْ لِلتَّأَهُّبِ لِلْوُقُوفِ، وَلَمْ تُشْرَعْ نُسُكًا.
(قَوْلُهُ وَهِيَ مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) أَيْ الْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالرَّاءِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابِ الْفِيلِ حُسِرَ فِيهِ أَيْ عَيِيَ وَكَّلَ وَوَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ إنَّ وَادِيَ مُحْسِرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، وَأَمَّا مُزْدَلِفَةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا مِنْ الْحَرَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ التَّزَلُّفِ، وَالِازْدِلَافُ وَهُوَ التَّقَرُّبُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّاجَ يَتَقَرَّبُونَ مِنْهَا وَحْدَهَا مَا بَيْنَ وَادِي مُحَسِّرٍ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَيَدْخُلُ فِيهَا جَمِيعُ تِلْكَ الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ الدَّاخِلَةِ فِي الْحَدِّ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّ بَطْنَ مُحَسِّرٍ لَيْسَ مَكَانَ الْوُقُوفِ كَبَطْنِ عُرَنَةَ فِي عَرَفَاتٍ فَلَوْ وَقَفَ فِيهِمَا فَقَطْ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي مِنًى سَوَاءٌ قُلْنَا أَنَّ عُرَنَةَ وَمُحَسِّرًا مِنْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ لَا وَوَقَعَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا مَكَانُهُ يَعْنِي الْوُقُوفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ مُزْدَلِفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ، وَلَوْ وَقَفَ بِهِ أَجْزَأَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ غَيْرُ مَشْهُورٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ مُسَمَّى الْمَكَانَيْنِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ إلَى مِنًى بَعْدَمَا أَسْفَرَ جِدًّا) أَيْ ثُمَّ رُحْ وَفَسَّرَ الْأَسْفَارَ بِأَنْ تَدْفَعَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالدُّعَاءِ وَهُوَ ذَاهِبٌ فَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا، وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَعَلَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ فَارْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي
ــ
[منحة الخالق]
الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَلَّاهُمَا بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمُزْدَلِفَةَ جَازَ) . نَقَلَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ عَنْ الْمُنْتَقَى ثُمَّ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَيْضًا وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ هَذَا الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِهَا أَوْ الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مُزْدَلِفَةَ أَوْ بَعْدَمَا جَاوَزَهَا لَمْ يُجْزِهِ وَعَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُ وَقَدْ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ عَادَتْ إلَى الْجَوَازِ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ لِذَهَابِ وَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَفَ عَلَى جَبَلِ قُزَحَ إلَخْ) كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي رَأَيْته فِي بَعْضِهَا وَعَلَيْهِ كَتَبَ فِي النَّهْرِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ إلَخْ) وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ قَوْلٌ بِالْوُجُوبِ وَقَوْلٌ بِالسُّنِّيَّةِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ ثُمَّ قَالَ وَيَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَذَا الْمَبِيتِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ فَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ ذَهَبَ إمَامَانِ جَلِيلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّ هَذَا الْمَبِيتَ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إلَّا بِهِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الْمَبِيتِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَأْزِمَيْ عَرَفَةَ) قَالَ فِي شَرْحِ النَّوَازِلِ الْمَأْزِمُ الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَالْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ