بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ كَحَصَى الْخَذْفِ) أَيْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ، وَالْجِمَارُ هِيَ الصِّغَارُ مِنْ الْحِجَارَةِ جَمْعُ جَمْرَةٍ وَبِهَا سَمَّوْا الْمَوَاضِعَ الَّتِي تُرْمَى جِمَارًا وَجَمَرَاتٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَقِيلَ لِتَجَمُّعِ مَا هُنَالِكَ مِنْ الْحَصَى مِنْ تَجَمُّرِ الْقَوْمِ إذَا تَجَمَّعُوا وَجَمَرَ شَعْرَهُ إذَا جَمَعَهُ عَلَى قَفَاهُ وَالْخَذْفُ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَنْ تَرْمِيَ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَأْخُذُهُ بَيْنَ سَبَّابَتَيْك وَقِيلَ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ، وَفِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَصَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْقَوْلَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إهَانَةً لِلشَّيْطَانِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِلسُّنَّةِ فَلَوْ رَمَى كَيْفَ أَرَادَ جَازَ وَلَوْ رَمَى مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَهُ، وَكَانَ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ قَيَّدَ بِالرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يَجُزْ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَالطَّرْحُ رَمْيٌ إلَى قَدَمَيْهِ فَيَكُونُ مُجْزِئًا إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَمَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بَيْنهمَا هَذَا الْقَدْرُ فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَة يَكْفِيهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ قُرْبَةً إلَّا فِي مَكَانِ مَخْصُوصٍ، وَالْقَرِيبُ عَفْوٌ وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى مَحْمِلٍ وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا، وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَحْمِلِ أَوْ عَنْ ظَهْرِ الرَّجُلِ فِي سُنَنِهَا ذَلِكَ أَجْزَأَهُ
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَحَصَى الْخَذْفِ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَكُونُ عَنْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ تَفَرُّقُ الْأَفْعَالِ وَالتَّقْيِيدُ بِالسَّبْعِ لِمَنْعِ النَّقْصِ لَا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ أَيْ الْمَكَانُ الْمُسَمَّى بِذَلِكَ) تَفْسِيرٌ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية عَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ اهـ.
قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا، وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَالْآخَرَ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشْرَةً وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةِ عُسْرٌ، وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرْفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ اهـ.
وَكَذَا نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي السِّرَاجِ عَنْ النِّهَايَةِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْضًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الثَّانِيَ مِمَّا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ هَذَا فَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ غَيْرُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْكَمَالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الشرنبلالية (قَوْلُهُ وَمِقْدَارُ الرَّمْيِ إلَخْ) هَذَا تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ إلَخْ) أَيْ قَدْرَ ذِرَاعٍ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ اعْتِبَارًا لِلْقُرْبِ عُرْفًا وَضِدُّهُ الْبُعْدُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي اللُّبَابِ وَقُدِّرَ الْقَرِيبُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَالْبَعِيدُ بِمَا فَوْقَهَا وَقِيلَ الْقَرِيبُ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ إلَخْ) فَلَوْ وَقَعَتْ عَلَى الشَّاخِصِ أَيْ أَطْرَافِ الْمِيلِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةٌ لِلْجَمْرَةِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى قُبَّةِ الشَّاخِصِ وَلَمْ تَنْزِلْ عَنْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِلْبُعْدِ لُبَابٌ وَفِيهِ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي الْمَرْمَى بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَفْضِ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكِهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُعِيدَهُ وَكَذَا لَوْ رَمَى وَشَكَّ فِي وُقُوعِهَا مَوْقِعَهَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُعِيدَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ رَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ جُمْلَةً إلَخْ) وَفِي الْكَرْمَانِيِّ إذَا وَقَعَتْ مُتَفَرِّقَةً عَلَى مَوَاضِعِ الْجَمَرَاتِ جَازَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أَسْوَاطِ الْحَدِّ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَكَان وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّمْيِ سَبْعَ مَرَّاتٍ شَرْحُ اللُّبَابِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ مُصَنِّفِ اللُّبَابِ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَشَاهِيرِ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْإِطْلَاقُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، ثُمَّ نَازَعَهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لِمَنْ أَحْسَنَ النَّظَرَ فَرَاجِعْهُ وَتَبَصَّرْ وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْمُرْشِدِيِّ وَلَا يُجْزِئُ الرَّمْيُ بِالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ وَلَا الرَّمْيُ بِالرِّجْلِ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ تُوضَعُ الْحَصَاةُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا، وَإِنْ رَمَى عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَفِي اللُّبَابِ وَلَوْ رَمَى بِحَصَاتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ غَيْرِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَمْ يَضُرَّهُ) قَالَ فِي اللُّبَابِ وَلَوْ رَمَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ يُكْرَهُ، وَقَالَ شَارِحُهُ أَيْ إذَا رَمَاهُ عَنْ قَصْدٍ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي السَّابِعِ وَرَمَاهُ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الثَّامِنُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ هَذَا وَقَدْ نَاقَضَهُ فِي الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ رَمَى بِأَكْثَرَ مِنْ السَّبْعِ لَا يَضُرُّهُ اهـ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْسَكِ الْكَبِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْقَصْدِ فَلَا تَنَاقُضَ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ السَّبْعَ هُوَ الْمَسْنُونُ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ فَتُكْرَهُ لَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً وَإِلَّا فَلَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى قَالُوا لَوْ زَادَ الرَّمْيَ عَلَى السَّبْعِ هَلْ يُنْدَبُ أَوْ يُكْرَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ لَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ رَمْيَهُ طَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ هَكَذَا نَقَلَ الْخِلَافَ اهـ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَوْ زَادَ عَلَى سَبْعِ حَصَيَاتٍ لَا أَجْرَ لَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ قَالَ الْقَاضِي عِيدٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَيُكْرَهُ رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute