يَضُرُّهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَلَا يَجُوزُ بِالْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوَاهِرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إمَّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَوْ؛ لِأَنَّهَا نُثَارٌ وَلَيْسَتْ بِرَمْيٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ إعْزَازٌ لَا إهَانَةَ، وَكَذَا التَّقْيِيدُ بِحَصَى الْخَذْفِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ فَإِنَّهُ لَوْ رَمَاهَا بِأَكْبَرَ مِنْهُ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرْمَى بِالْكِبَارِ مِنْ الْحِجَارَةِ كَيْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ، وَلَوْ رَمَى صَحَّ وَكُرِهَ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمَوْضِعَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الْحَصَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ فَلْيَأْخُذْهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنْ قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَيُكْرَهُ مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ تَنْزِيهًا؛ لِأَنَّهُ حَصَى مَنْ لَمْ يُقْبَلْ حَجُّهُ فَإِنَّهُ مَنْ قُبِلَ حَجُّهُ رُفِعَ حَصَاهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ طَهَارَةُ الْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ النَّجِسِ، وَالْأَفْضَلُ غَسْلُهَا وَفِي مَنَاسِكِ الْحَصِيرِيِّ جَرَى التَّوَارُثُ بِحَمْلِ الْحَصَى مِنْ جَبَلٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَيُحْمَلُ مِنْهُ سَبْعِينَ حَصَاةً قَالَ وَفِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيِّ يَدْفَعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَقَالَ قَوْمٌ بِسَبْعِينَ حَصَاةً، وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا اهـ.
كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ
ــ
[منحة الخالق]
كَذَلِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَفْعَلْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَرُبَّمَا اتَّخَذَهَا الْجُهَّالُ نُسُكًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ يُعْطِي جَوَازَهُ بِالْيَاقُوتِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَفِيهِمَا خِلَافٌ وَمَنَعَهُ الشَّارِحُونَ وَغَيْرُهُمْ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِهَانَةِ بِالْمَرْمَى، وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطِ، وَمِمَّنْ ذَكَرَ جَوَازَهُ الْفَارِسِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْغَايَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ جَزَمَا بِجَوَازِهِ بِالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ يَعْنِي كِبَارَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَنُثَارٌ وَلَيْسَتْ بِرَمْيٍ اهـ.
وَفِي الشرنبلالية قَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّمْيِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ كُلَّ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ الْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا اهـ.
فَقَدْ أَثْبَتَ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الزَّيْلَعِيِّ وَخُصِّصَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيَتَأَمَّلْ وَيُحَرَّرْ اهـ.
بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ اسْتَثْنَى الْجَوَاهِرَ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَاهِرَ الْعَيْنِيُّ وَلَا الشُّمُنِّيُّ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ بَلْ الْأَحْجَارُ النَّفِيسَةُ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنْهَا وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ تَفْرِقَةُ الزَّيْلَعِيِّ بَيْنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ إلَّا مَحْضُ تَحَكُّمٍ اهـ.
لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْغَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَهِيَ كِبَارُ اللُّؤْلُؤ، وَبِهِ انْدَفَعَ التَّحَكُّمُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ اعْتَرَضَ عَنْ الْعِنَايَةِ بِمَا فِي الْغَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ سَعْدِي أَفَنْدِي فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهَا، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الِاعْتِرَاضَ وَالْجَوَابَ السَّابِقَيْنِ وَعَزَاهُمَا إلَى السِّغْنَاقِيِّ.
قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ أَيْ مِنْ الْجَوَازِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ إمَّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) هَذَا خَالِصٌ فِيمَا قَبْلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَوْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهَا نُثَارٌ خَاصٌّ بِهِمَا كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي السَّعْدِيَّةِ عَنْ الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ إعْزَازٌ إلَخْ يَشْمَلُ الْكُلَّ إلَّا الْخَشَبَ إنْ كَانَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ. (قَوْلُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) جَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَثَرًا وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَأَنَّهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا بَالُ الْجِمَارِ تُرْمَى مِنْ وَقْتِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ تَصِرْ هِضَابًا تَسُدُّ الْأُفُقَ فَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ حَجُّهُ يُرْفَعُ حَصَاهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يُقْبَلْ تُرِكَ حَصَاهُ. قَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا سَمِعْت هَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَعَلْت عَلَى حَصَيَاتِي عَلَامَةً ثُمَّ تَوَسَّطْت الْجَمْرَةَ فَرَمَيْت مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثُمَّ طَلَبْت فَلَمْ أَجِدْ بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ شَيْئًا اهـ.
لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَنَّهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ الْجِمَارُ الَّتِي نَرْمِي بِهَا كُلَّ عَامٍ فَنَحْسَبُ أَنَّهَا تَنْقُصُ فَقَالَ إنَّهُ مَا يُقْبَلُ مِنْهَا رُفِعَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَيْتهَا أَمْثَالَ الْجِبَالِ» اهـ.
وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِأَنَّ حَجَّ الْمُشْرِكِينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ تُقْبَلُ عِبَادَاتُهُمْ فَيُجَازُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا أَقُولُ: الْمُرَادُ أَعْمَالُهُمْ الَّتِي هِيَ عِبَادَاتٌ صُورَةً لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ مِثْلَ الْحَجِّ لَا يَكُونُ عِبَادَةً إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَتَأَمَّلْ هَذَا وَفِي مِنًى خَمْسُ آيَاتٍ هَذِهِ إحْدَاهَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ
وَآيُ مِنًى خَمْسٌ فَمِنْهَا اتِّسَاعُهَا ... لِحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ لَوْ جَاوَزُوا الْحَدَّا
وَمَنْعُ حِدَاةٍ خَطْفَ لَحْمٍ بِأَرْضِهَا ... وَقِلَّةُ وُجْدَانِ الْبَعُوضِ بِهَا عُدَّا
وَكَوْنُ ذُبَابٍ لَا يُعَاقِبُ طَعْمَهَا ... وَرَفْعُ حَصَى الْمَقْبُولِ دُونَ الَّذِي رُدَّا
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا) قَالَ فِي الشرنبلالية يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ اهـ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ اهـ.
فَالنَّفْيُ لَيْسَ إلَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَنَا مَذْهَبًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قِيلَ