للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَرًا وَاحِدًا فَيَكْسِرَهُ سَبْعِينَ حَجَرًا صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ وَقْتُ الْجَوَازِ وَوَقْتُ الِاسْتِحْبَابِ وَوَقْتُ الْإِبَاحَةِ وَوَقْتُ الْكَرَاهَةِ، فَالْأَوَّلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا، وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَالثَّالِثُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْوَقْتَ الْمُبَاحَ مِنْ الْمَكْرُوهِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) أَيْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْ السَّبْعَةِ بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ أَصْلًا أَوْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الدُّعَاءَ آخِرَهُ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَقِفَ عِنْدَهَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ بَعْدَهَا جَمْرَةٌ فَإِنَّهُ يَقِفُ بَعْدَهَا لِلدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ وَكُلُّ جَمْرَةٍ لَيْسَ بَعْدَهَا جَمْرَةٌ تُرْمَى فِي يَوْمِهِ لَا يَقِفُ عِنْدَهَا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْعِبَادَةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا خَرَجَ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ حِكْمَةٌ وَقَدْ يُقَالُ هِيَ كَوْنُ الْوُقُوفِ يَقَعُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي الطَّرِيقِ فَيُوجِبُ قَطْعَ سُلُوكِهَا عَلَى النَّاسِ وَشِدَّةَ ازْدِحَامِ الْوَاقِفِينَ وَالْمَارِّينَ، وَيُفْضِي ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ بِخِلَافِهِ فِي بَاقِي الْجَمَرَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَاقْطَعْ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) أَيْ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ تَرْمِيهَا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ لَمْ يَزَلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْرِدِ وَالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ فَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ بِإِدْرَاكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَة؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ إذَا تَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَالْمُعْتَمِرِ، وَالْمُحْصِرُ يَقْطَعُهَا إذَا ذَبَحَ هَدْيَهُ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لِلتَّحَلُّلِ وَالْقَارِنُ إذَا كَانَ فَائِتَ الْحَجِّ يَقْطَعُ حِينَ يَأْخُذُ فِي الطَّوَافِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ بَعْدَهُ وَأَشَارَ بِالرَّمْيِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَقْطَعُهَا إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ الزِّيَارَةَ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ دَمَ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ، وَمَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ الْمُسْتَحَبِّ كَفِعْلِهِ فَيَقْطَعُهَا إذَا لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ ثُمَّ اذْبَحْ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفْرِدِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَلَا أُضْحِيَّةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَالْمَكِّيِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَبَحَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَأَمَرَ عَلِيًّا فَذَبَحَ مَا بَقِيَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ

ــ

[منحة الخالق]

إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ وَمَا قِيلَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ. (قَوْلُهُ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ وَقْتَ الْجَوَازِ لَا آخِرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ فَالْأَوْلَى عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِلِانْتِهَاءِ كَمَا فِي عِبَارَةِ الْمَبْسُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ وَقْتِ الْجَوَازِ أَدَاءً كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ وَيَثْبُتُ وَصْفُ الْقَضَاءِ فِي الرَّمْيِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ سِوَى ثُبُوتِ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ اهـ.

تَأَمَّلْ هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ بَعْدَ عَزْوِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ قَالَ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَالْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَالْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهَا أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقْتُهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَلَكِنَّهُ لَوْ رَمَى بِاللَّيْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.

وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ الْمُسْتَحَبُّ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ الْعَيْنِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا بِصِيغَةِ الْمَسْنُونِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) قَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَحَادِيثَ سَاقَهَا بِعَدَمِ الْعُذْرِ قَالَ حَتَّى لَا يَكُونَ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرُّعَاةِ لَيْلًا يَلْزَمُهُمْ الْإِسَاءَةُ وَكَيْفَ بِذَلِكَ بَعْدَ التَّرَخُّصِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَكَبِّرْ بِكُلِّ حَصَاةٍ) كَذَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ جَابِرٍ وَأُمُّ سُلَيْمَانَ وَظَاهِرُ الْمَرْوِيَّاتِ مِنْ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّهُ أَكْبَرُ غَيْرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ، وَقِيلَ يَقُولُ أَيْضًا اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى فِي الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يَظْهَرْ حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْوُقُوفِ وَالدُّعَاءِ بِغَيْرِهَا مِنْ الْجَمْرَتَيْنِ فَإِنْ تَخَايَلَ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّغْلِ كَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ فَهُوَ مُنْعَدِمٌ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ. (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ بِالْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>