للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ وَطِئَهَا أَثِمَ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى بِسَبَبٍ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ التَّجْهِيلِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَوْ لِلضَّرَرِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ، وَأُجِيبَ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنَ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَثْبُتْ هُنَا نِكَاحٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ وَمَعْنَى فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا: أَنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ مِنْ طَلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَعَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ لِلْحَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُمَا وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَلَهُ تَزَوُّجُ الَّتِي لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا دُونَ الْأُخْرَى كَيْ لَا يَصِيرَ جَامِعًا وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ بِإِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْحَالِ دُونَ الْأُخْرَى فَإِنَّ عِدَّتَهَا تَمْنَعُ مِنْ تَزَوُّجِ أُخْتِهَا اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ إذْ لَوْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَا يَقِينًا وَقَيَّدَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنْ لَا تَكُونَ إحْدَاهُمَا مَشْغُولَةً بِنِكَاحِ الْغَيْرِ أَوْ عِدَّتِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ صَحَّ نِكَاحُ الْفَارِغَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ زَوْجَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا مُتَزَوِّجٌ بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ زَوْجَةً لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إذَا كَانَتْ هِيَ لَا تَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا اهـ.

فَإِذَا كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا وَجَبَ لِكُلٍّ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ كَمَا هُوَ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ وَقَيَّدَهُ بِعَدَمِ عِلْمِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ عَلِمَ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي بَاطِلٌ، وَلَهُ وَطْءُ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَطَأَ الثَّانِيَةَ فَتَحْرُمُ الْأُولَى إلَى انْقِضَاءِ عِدَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ أُخْتَ امْرَأَتِهِ بِشُبْهَةٍ حَيْثُ تَحْرُمُ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ ذَاتِ الشُّبْهَةِ.

وَفِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْكَامِلِ لَوْ زَنَى بِإِحْدَى الْأُخْتَيْنِ لَا يَقْرَبُ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُخْرَى حَيْضَةً، وَاسْتَشْكَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِمَاءِ الزِّنَى وَلِذَا لَوْ زَنَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا عَقِبَ الزِّنَا، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ مَعًا أَوْ لَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لَكَانَ أَفْوَدَ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ. لَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً وَوَكَّلَ رَجُلًا آخَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَزَوَّجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا امْرَأَةً وَهُمَا أُخْتَانِ مِنْ الرَّضَاعِ وَوَقَعَ الْعَقْدَانِ مِنْهُمَا مَعًا فَهُمَا بَاطِلَانِ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ مَنْقُولَةٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا خَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا صَارَ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ خَاطَبَهُمَا بِالنِّكَاحِ وَلَوْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا، وَإِنَّمَا كَانَا فُضُولِيَّيْنِ وَوَقَعَا مَعًا، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا وَلَوْ خَرَجَ إيجَابُ الْأُخْتَيْنِ مَعًا بِأَنْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِرَجُلٍ وَاحِدٍ زَوَّجْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا وَخَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا مَعًا فَقَبِلَ الزَّوْجُ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ لِعَدَمِ الْجَمْعِ مِنْ الزَّوْجِ.

وَأَمَّا مِنْ الْأُخْتَيْنِ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا عَلَى حِدَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى صَاحِبَتِهَا

ــ

[منحة الخالق]

تَزْوِيجُ أَمَتِهِ لِرَجُلٍ تَزْوِيجًا فَاسِدًا لَا عِبْرَةَ بِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الزَّوْجُ فَتَحِلُّ أُخْتُهَا الَّتِي تَزَوَّجَهَا السَّيِّدُ وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْوَطْءُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْخَلْوَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ.

(قَوْلُهُ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ) أَيْ تَنْفِيذِ نِكَاحِ وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَعَ التَّجْهِيلِ وَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ مِنْ التَّعْيِينِ التَّنْفِيذُ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ إلَخْ) أَقُولُ: إنْ أُرِيدَ أَنَّ لَهُ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي الْفُرُوجِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أُرِيدَ مَعَ الْمُرَجِّحِ فَلَا فَرْقَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ دِيَانَةً بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَذَا فِي الرَّمْزِ اهـ.

لَكِنْ فِي قَوْلِهِ: فَلَا فَرْقَ، نَظَرٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ مَنْ ادَّعَى نِكَاحَهَا كَانَ قَبْلُ ثَابِتًا بِيَقِينٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ بَطَلَا يَقِينًا) أَيْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ اهـ.

دُرَرٌ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِمَاءِ الزَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ

وَلَوْ زَنَتْ امْرَأَةٌ حَرُمَتْ ... عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ

وَعَزَاهُ فِي الشَّرْحِ إلَى النُّتَفِ مُعَلِّلًا بِاحْتِمَالِ عَلُوقِهَا مِنْ الزِّنَا فَلَا يَسْقِي مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ضَعْفَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ بِزِنًا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِالنِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَطَأَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا. اهـ.

قُلْتُ: وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِضَعْفِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِهِ وَتَبِعَهُ الْحَصْكَفِيُّ (قَوْلُهُ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهُمَا بَاطِلَانِ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ يَتِمُّ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا مَهْرَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>