للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يُنْقَلَ كَلَامُ كُلٍّ إلَى الْأُخْرَى وَلَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ، فَقَالَ تَزَوَّجْتُكُمَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا بِأَلْفٍ، فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا رَضِيت وَأَبَتْ الْأُخْرَى فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ لِوُجُودِ الْجَمْعِ فِي الْخِطَابِ بَيْنَهُمَا فِي إحْدَى شَطْرَيْ الْعَقْدِ وَإِنَّهُ كَافٍ لِلْفَسَادِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِخَمْسِ نِسْوَةٍ قَدْ تَزَوَّجْتُكُنَّ عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا رَضِيت لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ لِوُجُودِ الْجَمْعِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي إحْدَى شَطْرَيْ الْعَقْدِ يُوجِبُ الْفَسَادَ كَالْجَمْعِ فِي شَطْرَيْ الْعَقْدِ اهـ.

مَعَ بَعْضِ اخْتِصَارٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَانْعَدَمَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ لِلْجَهْلِ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا أَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَرْبَعَةِ قُيُودٍ كَمَا قَالُوا: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى وَجَبَتْ مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمَا بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ، وَتَرَكَهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ الْمَهْرِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَهْرَاهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ إذْ لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ، مَهْرِهَا وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَلَهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ عَلَى السَّوَاءِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ إذْ لَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ حُكْمُ الْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ بَلْ إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِمَهْرٍ كَامِلٍ وَعُقْرٍ كَامِلٍ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُسَمَّى لَهُمَا قَدْرًا وَجِنْسًا أَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ عُقْرٍ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى بِجَعْلِهَا ذَاتَ الْعَقْدِ مِنْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْحُكْمِ بِأَنَّهَا الْمَوْطُوءَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. الرَّابِعُ: أَنْ تَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا الْأُولَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أَمَّا إذَا قَالَتَا لَا نَدْرِي أَيَّ النِّكَاحَيْنِ أَوَّلٌ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ وَهُوَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا: عَلَيَّ أَلْفٌ لَا يَقْضِي لِأَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا بِأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ مِنْهُ فَيَقْضِي لَهُمَا بِهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ الرَّابِعُ زَادَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ فَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ تَضْعِيفُهُ لَكِنَّهُ حَسَنٌ يَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ وُجُوبِ مَهْرٍ كَامِلٍ لَهُمَا لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِجَوَازِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا أَبْعَدُ لِاسْتِلْزَامِهِ إيجَابَ الشَّيْءِ مَعَ تَحَقُّقِ عَدَمِ لُزُومِهِ فَإِنَّ إيجَابَ كَمَالِهِ حُكْمُ الْمَوْتِ أَوْ الدُّخُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهُوَ مَفْقُودٌ وَفِي التَّبْيِينِ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَهُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ كُلِّ مَنْ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مِنْ الْمَحَارِمِ.

(قَوْلُهُ وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ) أَيْ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ إذَا كَانَتَا بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ الْمُقَدَّرَةُ ذَكَرًا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا» ، وَهَذَا مَشْهُورٌ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ بِرِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ «فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ أَرْحَامَكُمْ» .

وَلِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ» فَأَوْجَبَ تَعَدِّيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إلَى كُلِّ قَرَابَةٍ يُفْرَضُ وَصْلُهَا وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ فَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ عَمَّتَيْنِ وَخَالَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ أُمَّ الْآخَرِ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ فَتَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ عَمَّةً لِلْأُخْرَى أَوْ يَتَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِنْتَ الْآخَرِ وَيُولَدُ لَهُمَا بِنْتَانِ فَكُلٌّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ خَالَةٌ لِلْأُخْرَى، وَبِمَا قُرِّرَ عُلِمَ أَنَّ الْعِلَّةَ خَوْفُ الْقَطِيعَةِ وَظَهَرَ بِهِ ضَعْفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَ ذَلِكَ إذْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِرُبْعِ مَهْرِهَا) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ وَهُوَ أَنَّ لَهُمَا الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفَيْ الْمَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَقِينًا اهـ.

قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَالِاحْتِيَاطُ الْقَضَاءُ بِمَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَطْرُوقٌ بِاحْتِمَالٍ فَكَانَ قَضَاءً بِمُحْتَمَلٍ اهـ.

وَقَدْ فَصَّلَ فِي الدُّرَرِ، فَقَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفَا أَيْ مُسَمَّاهُمَا فَإِنْ عَلِمَا فَلِكُلٍّ رُبْعُ مَهْرِهَا وَإِلَّا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ، وَاعْتَرَضَهُ مُحَشُّوهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلِكُلٍّ صَوَابُهُ فَلَهُمَا وَبِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ وَبَيْنَ مَا وَقَعَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا كَانَ مَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا مَعْلُومًا كَالْخَمْسِمِائَةِ لِفَاطِمَةَ وَالْأَلْفِ لِزَاهِدَةَ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا كَذَلِكَ بِأَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ سَمَّى لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَمْسَمِائَةٍ وَلِلْأُخْرَى أَلْفًا إلَّا أَنَّهُ نَسِيَ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّ سِيَاقَ مَا فِي الْكَافِي وَالْكِفَايَةِ لَا يُؤَدِّي انْحِصَارُهُ فِيمَا أُشِيرَ إلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ وَلِذَا قِيلَ لَوْ حُمِلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مُشْكِلٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ إيجَابُ مَهْرٍ كَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ أَيْ حَمْلُ الْقَضَاءِ بِمَهْرٍ كَامِلٍ وَعُقْرٍ كَامِلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>