للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُخْتَيْنِ رَضَاعًا.

وَجَوَابُهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ فِي قَوْلِهِ حُرِّمَ النِّكَاحُ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ أَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَلَا تُمْنَعُ، وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ سَيِّدَتَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُوَقَّتَةٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ السَّيِّدَةِ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا أَوْ امْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ زَوْجَةِ عَلِيٍّ وَبِنْتِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَتْ بِنْتُ الزَّوْجِ ذَكَرًا بِأَنْ كَانَ ابْنَ الزَّوْجِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ وَلَوْ فُرِضَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا بِنْتُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَلَوْ فُرِضَتْ امْرَأَةُ الِابْنِ ذَكَرًا لَجَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا قَالُوا: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيَتَزَوَّجَ ابْنُهُ أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ امْرَأَةً وَزَوَّجَ ابْنَهُ بِنْتَهَا.

(قَوْلُهُ وَالزِّنَا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الزِّنَا لَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ؛ لِأَنَّهَا نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ، وَلَنَا: أَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ الْجُزْئِيَّةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ حَتَّى يُضَافَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمُلًا فَيَصِيرُ أُصُولُهَا وَفُرُوعُهَا كَأُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْعَكْسِ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ حَرَامٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ الْمَوْطُوءَةُ وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا وَاللَّمْسُ وَالنَّظَرُ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الْوَطْءِ فَيُقَامُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: ٢٢] كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُونَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَال بِهِ، أَرَادَ بِالزِّنَا الْوَطْءَ الْحَرَامَ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا لَوْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا أَوْ الْمُشْتَرَاةَ فَاسِدًا أَوْ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَوْ الْمُكَاتَبَةَ أَوْ الْمُظَاهَرَةَ مِنْهَا أَوْ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ أَوْ النُّفَسَاءَ أَوْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ اتِّفَاقًا وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِعَيْنِ الْوَطْءِ لَا لِكَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا وَلِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَيِّتَةَ فَإِنَّهُ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ إلَخْ) اعْتِرَاضٌ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدِ التَّأْبِيدِ لِإِغْنَاءِ قَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ ذَكَرًا حَرُمَ النِّكَاحُ فَإِنَّ السَّيِّدَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا جَازَ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ أَوْ مَا يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ الْعَقْدَ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّهْرِ وَأَخْرَجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ، نَعَمْ لَوْ أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْعَقْدُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ إذْ يَحْرُمُ إيرَادُ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ اسْتِحْسَانِ إيرَادِ الْعَقْدِ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى الْأَمَةِ فَذَاكَ لِلِاحْتِيَاطِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ التَّأْبِيدِ وَإِخْرَاجِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ أَيَّةٌ فُرِضَتْ كَمَا فِي فَعَلَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَهُ الْتِفَاتٌ إلَى أَنَّ الْحُرْمَةَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَافِيَةٌ كَمَا قَالَ زُفَرُ فَحَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ زَوْجِهَا لَا بِالنَّظَرِ إلَى التَّأْبِيدِ وَعَدَمِهِ.

(قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ فَإِنْ قِيلَ: ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ؛ لِأَنَّهَا تُلْحِقُ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجَانِبَ بِالْآبَاءِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جَعْلَ الزِّنَا مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ، فَالْجَوَابُ: مَنْعُ ثُبُوتِهَا مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْبَعْضِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحِقُّ الْكَرَامَاتِ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُسَبَّبِ الْخَفِيِّ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعَلُوقِ مُتَعَذِّرٌ وَالْوَلَدُ عَيْنٌ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى حُرْمَةَ أَبِي الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ الْوَلَدِ إلَى الْمَوْطُوءَةِ وَحُرْمَةَ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا مِنْهُ أَيْضًا إلَى الْوَاطِئِ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ مِنْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بَعْضًا مِنْ الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا وَمُضَافٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ أَيْ الزِّنَا بِأَمْرٍ آخَرَ لَا بِالزِّنَا اهـ.

عِبَارَةُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ وَقَالَ الْحَلَبِيُّ مُحَشِّي الزَّيْلَعِيِّ، وَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَحْظُورِ، بَيَانُهُ: أَنَّ الْوَطْءَ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زِنًا بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبُ الْوَلَدِ الْمَخْلُوقِ مِنْ الْمَاءَيْنِ وَالْوَلَدُ مُحْتَرَمٌ مُكَرَّمٌ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] فَلَيْسَ فِيهِ صِفَةُ الْقُبْحِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَيِّ وَجْهٍ اجْتَمَعَ الْمَاءَانِ فِي الرَّحِمِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: ١٤] فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ صِفَةَ الْقُبْحِ صَارَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ وَهُوَ الْوَطْءُ كَالتُّرَابِ لَمَّا قَامَ مَقَامَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ صَارَ الْمَنْظُورُ صِفَةَ الْمَاءِ فِي إثْبَاتِ الطَّهَارَةِ لَا صِفَةَ التُّرَابِ الَّذِي هُوَ تَلْوِيثٌ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْنَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ مَا سَبِيلُهُ النِّعْمَةُ وَالْكَرَامَةُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَيْسَ بِمَنْظُورٍ إلَيْهِ فِي إيجَابِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ فَافْهَمْ اهـ. عِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>