للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابِيَّةِ بَعْدَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إبَاحَةُ نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا إلَّا أَنَّ مَلِكَهُمْ وَاقَعَ أُخْتَهُ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَرُفِعَ كِتَابُهُمْ فَنُسُّوهُ، وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ نِكَاحِهِمْ لِكَوْنِهِمْ عَبَدَةَ النَّارِ فَهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْمُشْرِكِينَ فَكَوْنُهُمْ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ أَوَّلًا لَا أَثَرَ لَهُ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَةِ الْوَثَنِيَّةِ وَهِيَ الْمُشْرِكَةُ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هِيَ الَّتِي تَعْبُدُ الْوَثَنَ أَيْ الصَّنَمَ وَالنَّصُّ عَامٌّ يَدْخُلُ تَحْتَهُ سَائِرُ الْمُشْرِكَاتِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَدْخُلُ فِي عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ عَبَدَةُ الشَّمْسِ وَالنُّجُومِ وَالصُّوَرِ الَّتِي اسْتَحْسَنُوهَا وَالْمُعَطِّلَةُ وَالزَّنَادِقَةُ وَالْبَاطِنِيَّةُ وَالْإِبَاحِيَّةُ وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَكُلُّ مَذْهَبٍ يَكْفُرُ بِهِ مُعْتَقِدُهُ فَهُوَ يُحَرِّمُ نِكَاحَهَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يَتَنَاوَلُهُمْ جَمِيعًا اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ مَذْهَبًا يَكْفُرُ بِهِ، إنْ كَانَ قَبْلَ تَقَدُّمِ الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ فَهُوَ مُشْرِكٌ، وَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ الرُّسْتُغْفَنِيُّ لَا تَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ وَقَالَ الْفَضْلُ لَا يَجُوزُ بَيْنَ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ وَمُقْتَضَاهُ مَنْعُ مُنَاكَحَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَكَذَا، قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: يَتَزَوَّجُ بِنْتَهمْ وَلَا يُزَوِّجُهُمْ بِنْتَه وَعَلَّلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَنْزِيلًا لَهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْوَتْرِ وَالنَّوَافِلِ إيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِ مَنْ قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَلَطٌ وَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ شَاكًّا فِي إيمَانِهِ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ، فَتَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِلَا شُبْهَةٍ.

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَمَا قَدَّمْنَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ وَأَفَادَ بِحُرْمَةِ نِكَاحِهِمَا حُرْمَةَ وَطْئِهِمَا أَيْضًا بِمِلْكِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَمَاعَةٍ، لَوْ وَرَدَ الْإِطْلَاقُ فِي سَبَايَا الْعَرَبِ كَأَوْطَاسٍ وَغَيْرِهَا وَهُنَّ مُشْرِكَاتٌ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ لِلْآيَةِ، فَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرِكٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوْ خَاصٌّ فِي الضَّمِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَمْرَيْنِ وَيُمْكِنُ كَوْنُ سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَسْلَمْنَ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَتَحِلُّ الْمَجُوسِيَّةُ وَالْوَثَنِيَّةُ لِكُلِّ كَافِرٍ إلَّا الْمُرْتَدَّ اهـ.

يَعْنِي يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْيَهُودِيِّ نَصْرَانِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً وَعَكْسُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ.

(قَوْلُهُ وَحَلَّ تَزَوُّجُ الْكِتَابِيَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: ٥] أَيْ الْعَفَائِفُ عَنْ الزِّنَا بَيَانًا لِلنَّدْبِ لَا أَنَّ الْعِفَّةَ فِيهِنَّ شَرْطٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا مُشْرِكَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَحَمْلُ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُنَّ وَلِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُشْرِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْعَطْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: ١] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَفِي قَوْله تَعَالَى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: ٨٢] وَفِي التَّبْيِينِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ يَعْتَقِدُ دِينًا سَمَاوِيًّا وَلَهُ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ كَصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَتَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَأَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا عَدَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْكِتَابِيُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِنَبِيٍّ وَيُقِرُّ بِكِتَابٍ وَالسَّامِرِيَّةُ مِنْ الْيَهُودِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْكِتَابِيَّةَ هُنَا وَقَيَّدَهَا فِي الْمُسْتَصْفَى بِقَوْلِهِ: قَالُوا هَذَا يَعْنِي الْحِلَّ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا، أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ فَلَا، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ. اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ هُنَا، وَالدَّلِيلُ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ طَائِفَتَانِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى انْقَرَضُوا لَا كُلُّهُمْ

ــ

[منحة الخالق]

ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِهَا وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي عَدَمِ عَدِّهَا خَامِسَةً وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاطِ فِي وُقُوعِهِ فِي الْمُحَرَّمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>