للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَاقٌ آخَرُ فِي الْعِدَّةِ، وَذَكَرَ فِي خُصُوصِ مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَأَمَّا حُكْمُ الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَلَوْ حُكْمًا وَجَبَ تَمَامُهُ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهُ فَلَا مَهْرَ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْهَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ فَسُقُوطُهُ هُوَ فَائِدَةُ الْخِيَارِ لَهُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِ لَهُ إذْ هُوَ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ لَنَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ إلَّا فِي هَذِهِ. اهـ.

وَهَذَا الْحَصْرُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قُبَيْلَ كِتَابِ النَّفَقَاتِ حُرٌّ تَزَوَّجَ مُكَاتَبَةً بِإِذْنِ سَيِّدِهَا عَلَى جَارِيَةٍ بِعَيْنِهَا فَلَمْ تَقْبِضْ الْمُكَاتَبَةُ الْجَارِيَةَ حَتَّى زَوَّجَتْهَا مِنْ زَوْجِهَا عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ النِّكَاحَانِ فَإِنْ طَلَّقَ الزَّوْجُ الْمُكَاتَبَةَ أَوَّلًا ثُمَّ طَلَّقَ الْأَمَةَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ بِطَلَاقِ الْمُكَاتَبَةِ تَتَنَصَّفُ الْأَمَةُ وَعَادَ نِصْفُهَا إلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ فَيَفْسُدُ نِكَاحُ الْأَمَةِ قَبْلَ وُرُودِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَعْمَلْ طَلَاقُهَا وَيَبْطُلُ جَمِيعُ مَهْرِ الْأَمَةِ عَنْ الزَّوْجِ مَعَ أَنَّهَا فُرْقَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ إنَّمَا لَا تُسْقِطُ كُلَّ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ طَلَاقًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَتْ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تُوجِبُ سُقُوطَ كُلِّ الصَّدَاقِ كَالصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ.

وَأَيْضًا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ يُسْقِطُ كُلَّ الصَّدَاقِ مَعَ أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ النِّكَاحِ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْمِلْكِ وَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُحَالُ عَلَى قَبُولِ الْمُشْتَرِي لَا عَلَى إيجَابِ الْبَائِعِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ كُلُّ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.

بِلَفْظِهِ، وَيَرُدُّهُ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ إذَا ارْتَدَّ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا فُرْقَةٌ هِيَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ كُلَّ الْمَهْرِ بَلْ يَجِبُ نِصْفُهُ فَالْحَقُّ أَنْ لَا يُجْعَلَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ضَابِطٌ بَلْ يُحْكَمُ فِي كُلِّ فَرْدٍ بِمَا أَفَادَهُ الدَّلِيلُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْفُرْقَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فُرْقَةً: سَبْعَةٌ مِنْهَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَسِتَّةٌ لَا تَحْتَاجُ، أَمَّا الْأُولَى: فَالْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ وَالْفُرْقَةُ بِالْعُنَّةِ وَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْفُرْقَةُ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَالْفُرْقَةُ بِنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَالْفُرْقَةُ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَنْبَنِي عَلَى سَبَبٍ خَفِيٍّ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ بِالْحِسِّ وَأَسْبَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ، وَكَذَا بِنُقْصَانِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَخِيَارُ الْبُلُوغِ مَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَالْإِبَاءُ رُبَّمَا يُوجَدُ وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ، وَكَذَا الْبَقِيَّةُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَالْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْفُرْقَةُ بِالْإِيلَاءِ وَالْفُرْقَةُ بِالرَّدِّ وَالْفُرْقَةُ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْفُرْقَةُ بِمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالْفُرْقَةُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَوَقَّفْ هَذِهِ السِّتَّةُ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى سَبَبٍ جَلِيٍّ ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّنْقِيحِ كُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ لَا بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَهِيَ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ كَالرِّدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعَتَاقَةِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ؛ وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَهِيَ طَلَاقٌ كَالْإِيلَاءِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا رِدَّةُ الزَّوْجِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ يَنْتَفِي الْمِلْكُ فَيَنْتَفِي الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمِلْكِ فَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِالتَّنَافِي وَالتَّضَادِّ لَا بِوُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ الْإِبَاءِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حَيْثُ يَكُونُ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمِلْكَ يَبْقَى بِعَدَمِ الْإِبَاءِ فَلِهَذَا افْتَرَقَا اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِسُكُوتِهَا إنْ عَلِمَتْ بِكْرًا لَا بِسُكُوتِهِ مَا لَمْ يَقُلْ رَضِيت وَلَوْ دَلَالَةً) أَيْ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الْبُلُوغِ بِسُكُوتِ مَنْ بَلَغَتْ إلَى آخِرِهِ اعْتِبَارًا لِهَذِهِ الْحَالَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَسُكُوتُ الْبِكْرِ فِي الِابْتِدَاءِ إذْنٌ بِخِلَافِ سُكُوتِ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ وَأَرَادَ بِالْعِلْمِ الْعِلْمَ بِأَصْلِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا بِهِ، وَالْوَلِيُّ يَنْفَرِدُ بِهِ فَعُذِرَتْ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِأَنَّ لَهَا خِيَارَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالدَّارُ دَارُ الْعِلْمِ فَلَمْ تُعْذَرْ بِالْجَهْلِ بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَتَفَرَّغُ لِمَعْرِفَتِهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ بُطْلَانِهِ بِسُكُوتِهَا أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَتَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِي دَعْوَى كَوْنِ الْفُرْقَةِ مِنْ قِبَلِهِ فِيمَا إذَا مَلَكَهَا أَوْ بَعْضَهَا فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْبَدَائِعِ الْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا أَوْ شِقْصًا مِنْهَا فُرْقَةٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ لَا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ طَلَاقًا فَتُجْعَلُ فَسْخًا. اهـ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي مَحَلِّهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>