للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ رَأَتْهُ لَيْلًا تَطْلُبُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْت نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ، وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ يَصِحُّ وَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا أَدْرَكَتْ قَبْلَ هَذَا، فَقَالَ لَا تُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَكْذِبَ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهَا ثُمَّ إذَا اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَقْدَمْ إلَى الْقَاضِي الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ لِلشُّهُودِ فَلَمْ تَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا وَلَمْ تُعْذَرْ، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْ. وَمَا فِيهِ أَيْضًا وَفِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا تَعَسُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرُ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ لَهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ هَذَا الْخِيَارِ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْغُلَامِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْبِكْرِ فَيَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالسَّلَامِ فَوْقَ السُّكُوتِ.

وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ أَطْلُبُ الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تَبْتَدِئُ فِي التَّفْسِيرِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ، وَقَيَّدَ بِالْبِكْرِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَمَا لَوْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَوْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِسُكُوتِهَا فَهِيَ كَالْغُلَامِ لَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ دَالٍّ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ وَقْتَ خِيَارِهِمَا الْعُمُرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ عَدَمُ الرِّضَا فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، عَلَى هَذَا تَظَافَرَتْ كَلِمَتُهُمْ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: خِيَارُ الْمُدْرِكَةِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَبْطُلْ بِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِصَرِيحِ الْإِبْطَالِ أَوْ يَجِيءُ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْخِيَارِ كَمَا إذَا اشْتَغَلَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ وَأَعْرَضَتْ عَنْ الِاخْتِيَارِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، مُشْكِلٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ يُبْطِلُهُ، وَهَذَا تَقْيِيدٌ بِالْمَجْلِسِ ضَرُورَةً إذْ تَبَدُّلُهُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَسْتَلْزِمُهُ ظَاهِرًا وَفِي الْجَوَامِعِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا حِينَ بَلَغَهَا أَوْ كَانَ غُلَامًا لَمْ يَبْطُلْ بِالسُّكُوتِ وَإِنْ أَقَامَتْ مَعَهُ أَيَّامًا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِلِسَانِهَا أَوْ يُوجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْوَطْءِ أَوْ التَّمْكِينِ مِنْهُ طَوْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ، وَفِيهِ: لَوْ قَالَتْ كُنْت

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي مَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ مِثَالٌ لَا حَدُّ مِقْدَارٍ إذْ حَقُّهَا تَقَرَّرَ بِالْإِشْهَادِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ كَالشُّفْعَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالسَّلَامِ فَوْقَ السُّكُوتِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ نَقَلُوا فِي الشُّفْعَةِ أَنَّ سَلَامَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَلَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَبَطَلَتْ وَقَالُوا لَوْ قَالَ: مَنْ اشْتَرَاهَا؟ وَبِكَمْ اشْتَرَاهَا؟ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَعَمْ مَا وَجَّهَ بِهِ فِي الْمَهْرِ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يَخْلُ. أَمَّا إذَا خَلَا بِهَا خَلْوَةً صَحَّحَهُ فَالْوُقُوفُ عَلَى كَمِّيَّتِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ لِوُجُوبِهِ بِهَا فَإِطْلَاقُ عَدَمِ سُقُوطِهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي اهـ.

وَفِي الرَّمْزِ بَعْدَ نَقْلِ بَحْثِ الْمُؤَلِّفِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّضَا لَا بُدَّ مِنْهُ لَكِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ صَرِيحًا وَتَارَةً يَكُونُ دَلَالَةً فِي الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ لَكِنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ مِنْ الْبِكْرِ جُعِلَ رِضًا شَرْعًا وَقَامَ مَقَامَ الْقَوْلِ لِعِلَّةِ الْحَيَاءِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ مَعَ عِلْمِهَا بِهِ أَوْ سَلَّمَتْ مَعْنًى بِأَنْ قَالَتْ مَرْحَبًا لِلشُّهُودِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ يَلْزَمُهَا، لِكَوْنِ ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ أَمَّا إذَا رَدَّتْ سَلَامَهُمْ أَوْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِالزَّوْجِ فَالسُّؤَالُ عَنْهُ لَا يَكُونُ كَالسُّكُوتِ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اشْتِغَالَهَا بِمَا لَا يُفِيدُ يَقُومُ مَقَامَ السُّكُوتِ فَيَلْزَمُهَا لَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا اجْتَمَعَ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا قَوْلٌ، وَقِيلَ بِالشُّفْعَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ ثَبَتَ لِلْبِكْرِ خِيَارُ الْبُلُوغِ وَالشُّفْعَةِ تَقُولُ طَلَبْت الْحَقَّيْنِ ثُمَّ تُفَسِّرُ وَتَبْدَأُ بِالِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ بِالشُّفْعَةِ، وَقِيلَ تَطْلُبُ الشُّفْعَةَ وَتَبْكِي صُرَاخًا فَيَصِيرُ هَذَا الْبُكَاءُ رَدًّا لِلنِّكَاحِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهُ رَدًّا لَهُ، أَقُولُ: لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَعْيِينِ الْبُدَاءَةِ بِأَحَدِهِمَا فِي التَّفْسِيرِ بَعْدَ طَلَبِ الْحَقَّيْنِ جُمْلَةً؟ فَإِنَّا حَيْثُ اعْتَبَرْنَاهُ هُوَ الْمَانِعُ مِنْ السُّقُوطِ فَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَبْطُلُ الْمُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْإِجْمَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ جَامِعَةٌ لَهُمَا وَلَوْ قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى التَّفْسِيرِ بَعْدَهُ أَصْلًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَأَيْضًا فِيهِ تَضْيِيقٌ وَتَعْسِيرٌ وَنَوْعُ حَرَجٍ وَذَلِكَ مَرْفُوعٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُتَقَدِّمِي أَئِمَّتِنَا ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ تَقُولُ طَلَبَتْهُمَا نَفْسِي وَالشُّفْعَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الشُّفْعَةِ وَنَفْسِي فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَاللُّزُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تُقَدِّمُ فِي التَّفْسِيرِ أَيًّا شَاءَتْ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>