للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْأَحْكَامِ كَإِنْسَانٍ وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ بِالْأَحْكَامِ كَرَجُلٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّوْبَ تَحْتَهُ - الْكَتَّانُ وَالْقُطْنُ وَالْحَرِيرُ وَالْأَحْكَامُ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّ الثَّوْبَ الْحَرِيرَ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ وَغَيْرُهُ يَحِلُّ فَهُوَ جِنْسٌ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْحَيَوَانُ تَحْتَهُ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا الدَّارُ فَتَحْتَهَا مَا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا بِالْبُلْدَانِ وَالْمَحَالِّ وَالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَكَثْرَةِ الْمَرَافِقِ وَقِلَّتِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجَهَالَةُ أَفْحَشَ مِنْ جَهَالَةِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَوْلَى وَهُوَ الضَّابِطُ هُنَا سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ الْجِنْسِ أَوْ مَجْهُولَ النَّوْعِ

وَأَمَّا الْبَيْتُ فَذَكَرُوا أَنَّ تَسْمِيَتَهُ صَحِيحَةٌ كَفَرَسٍ وَحِمَارٍ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ فِي عُرْفِنَا لَيْسَ خَاصًّا بِمَا يُبَاتُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ لِمَجْمُوعِ الْمَنْزِلِ وَالدَّارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَسْمِيَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ كَالدَّارِ وَذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ فَلَهَا بَيْتٌ وَسَطٌ مِمَّا يُجَهَّزُ بِهِ النِّسَاءُ وَهُوَ بَيْتُ الثَّوْبِ لَا الْبَيْتُ الْمَبْنِيُّ فَيَنْصَرِفُ إلَى فِرَاشِ الْبَيْتِ فِي أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَفِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ إلَى بَيْتِ الشَّعْرِ اهـ.

وَبِهِ انْدَفَعَ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لِأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِهِ الْمَبْنِيَّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي عُرْفِنَا يُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَبْنِيُّ الَّذِي مِنْ الْمَدَرِ يُبَاتُ فِيهِ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا اهـ.

قُيِّدَ بِالثَّوْبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ نَوْعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٌّ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَيَجِبُ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُ الْمِثْلَ قَالَ مُحَمَّدٌ

وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ فَلَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ إلَّا الْمُسَمَّى وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ السَّلَمُ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَهَا الْقِيمَةَ وَالسَّلَمُ فِي الثِّيَابِ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ مُؤَجَّلَةً وَلَا يَجُوزُ بِدُونِ الْأَجَلِ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا الْقِيمَةَ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَهَا أَنْ لَا تَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَجَّلَةً؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَصْلُحُ مَهْرًا وَثَمَنًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَجَلِ أَمَّا الثَّوْبُ الْمَوْصُوفُ وَإِنْ صَلَحَ مَهْرًا إلَّا أَنَّ الثَّوْبَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ غَيْرُ النَّقْدِ إذَا سُمِّيَ جِنْسُهُ وَصِفَتُهُ صَارَ كَالْمُشَارِ إلَيْهِ الْعَرْضِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ صِفَتَهُ فَهُوَ كَالْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَثَوْبٍ وَلَمْ يَصِفْهُ كَانَ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ لَهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مُتْعَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا سُمِّيَ مَجْهُولُ الْجِنْسِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُسَمًّى مَعْلُومٌ لَكِنْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُنْظَرَ إلَى الْمُتْعَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَا عَشَرَةٌ فَقَطْ وَذِكْرُ الثَّوْبِ لَغْوٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْخُلْعَ اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ جَهَالَةَ الْقَدْرِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفَانِ كَانَ لَهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْأَلْفِ لَمْ يَصِحَّ لِمَكَانِ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ لَهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ وَوُصِفَ الْوَسَطُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ صَالَحَتْ مِنْ ذَلِكَ زَوْجَهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْوَسَطِ سِتِّينَ دِينَارًا أَوْ سَبْعِينَ دِينَارًا جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْبَعْضِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فَإِنْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْوَسَطِ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ لِكَوْنِ الْقِيمَةِ وَاجِبَةً بِالْعَقْدِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَسْمِيَةُ الْمُحَرَّمِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ مُسْلِمَةً عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ أَوْ مَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ

وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْهُمَامِ) فِيهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ لَا يَدْفَعُ مَا بَحَثَهُ مِنْ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ نَعَمْ يَدْفَعُ مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا بَالَغَ فِي وَصْفِ الثَّوْبِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ، وَكَذَا يَتَخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ الثَّوْبِ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَوْ بَالَغَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ الْوَسَطُ وَلَوْ بَالَغَ فَإِنَّهُ إذَا دُفِعَ الثَّوْبُ اُعْتُبِرَ وَصْفُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ ثَوْبٌ هَرَوِيٌّ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ اُعْتُبِرَ الْوَصْفُ الْمُعَيَّنُ إذَا دَفَعَهُ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ يَدْفَعُ قِيمَةَ الْجَيِّدِ فِي تَعْيِينِهِ وَقِيمَةَ الْوَسَطِ فِي تَعْيِينِهِ، وَكَذَا الرَّدِيءُ. (قَوْلُهُ وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَأَمَّلْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الثَّوْبَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ وَيُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ بِهِ مِنْ الزَّوْجِ قَطْعًا وَلَوْ دَخَلَ لَكَانَتْ التَّسْمِيَةُ فَاحِشَةً مَعَهُ فَيُوجِبُ فَسَادَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْعِدَّةِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ. اهـ. وَجَزَمَ بِهَذَا فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ وَقَالَ، وَقَدْ جُعِلَ فِي الْبَحْرِ تَسْمِيَةُ الثَّوْبِ لَغْوًا، وَقَدْ زَاغَ فَهْمُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَخِيهِ صَاحِبِ النَّهْرِ فِيهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْعِدَّةِ يُوَضِّحُ الْكَلَامَ وَيَنْفِي الْمَرَامَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ حَمْلَ الثَّوْبِ عَلَى الْعِدَّةِ وَالتَّبَرُّعِ هُوَ مَعْنَى مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ ذِكْرَهُ لَغْوٌ بَلْ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>