الْفِقْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا حُرٌّ سُمِّيَ عَبْدًا وَتَسْمِيَةُ الْحُرِّ عَبْدًا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فَالْتَحَقَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَدَمِ وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا اهـ.
وَذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا مِنْ الْبُيُوعِ أَنَّ الْجِنْسَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ إلَّا الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ لَا يَتَفَاوَتُ الْغَرَضُ مِنْهَا فَاحِشًا فَالْجِنْسَانِ مَا يَتَفَاوَتُ مِنْهَا فَاحِشًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِلذَّاتِ اهـ.
وَقَالَ فِي بَابِ الرِّبَا إنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ يُعْرَفُ بِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالْمَقْصُودِ فَالْحِنْطَةُ جِنْسٌ وَالشَّعِيرُ جِنْسٌ آخَرُ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ عَلَى مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فِي بَحْثِ الْخَاصِّ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا إنْسَانًا مِنْ قَبِيلِ خُصُوصِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْأَحْكَامِ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَعَلُوا رَجُلًا مِنْ قَبِيلِ خُصُوصِ النَّوْعِ وَأَنَّهُ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ فِي الْأَحْكَامِ فَأُورِدَ عَلَيْهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْعَاقِلُ وَالْمَجْنُونُ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ رَجُلٍ وَأَحْكَامُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فَأَجَابُوا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحْكَامِ بِالْعَرْضِ لَا بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَحْكَامِهِمَا بِالْأَصَالَةِ فَقَوْلُهُ إنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ تَحْتَ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رَجُلٌ
وَكَذَا الْخَلُّ وَالْخَمْرُ دَاخِلَانِ تَحْتَ مَاءِ الْعَصِيرِ فَرَجُلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ جِنْسٌ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ نَوْعًا لِإِنْسَانٍ وَالْحُرُّ مَثَلًا نَوْعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو مَثَلًا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ جِنْسَانِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْجِنْسَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَبُو يُوسُفَ نَظَرَ إلَى أَنَّ لَفْظَ حُرٍّ تَحْتَهُ أَشْخَاصٌ هِيَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ وَغَيْرُهَا وَلَفْظَ عَبْدٍ كَذَلِكَ فَجَعَلَهُمَا جِنْسَيْنِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَكَمَ بِاتِّحَادِ الْجِنْسِ فِيهِمَا نَظَرًا إلَى دُخُولِهِمَا تَحْتَ شَيْءٍ وَهُوَ رَجُلٌ وَأَبُو يُوسُفَ حَكَمَ بِالِاخْتِلَافِ نَظَرًا إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقُولٌ عَلَى أَشْخَاصٍ كَثِيرَةٍ فَلَمْ يُرِيدُوا الْجِنْسَ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوهُ لَمْ يَصِحَّ كَلَامُهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ لَيْسَا جِنْسًا، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعُ النَّوْعِ وَهُوَ رَجُلٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ اللَّائِقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَتَجِدُهُ مُوَافِقًا لِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَأَجَابَ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ قِيمَةُ عَبْدٍ وَسَطٍ لِاعْتِبَارِهِ الْإِشَارَةَ مِنْ وَجْهٍ اهـ.
وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِحَالِ الْعَبْدِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ كَانَ لَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَا يَصْلُحُ مَهْرًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَاعْتُبِرَ الْمُسَمَّى وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ سُمِّيَ خَلًّا
وَأَشَارَ إلَى طَلًا فَلَهَا مِثْلُ الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ وَكَأَنَّهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالطَّلَا الْمُثَلَّثُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُسَمَّى حَلَالًا وَالْمُشَارُ إلَيْهِ حَرَامًا إذْ لَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ فَإِنَّ لَهَا الْعَبْدَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ الْعِبْرَةُ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَمُحَمَّدٌ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْهَازِلِ بِالتَّسْمِيَةِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ زَيْتٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ الدَّنِّ خَلًّا؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الْعَبْدِ فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ أَوْ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْمَرْوِيِّ فَإِذَا هُوَ قُوهِيٌّ فَإِنَّ عَلَيْهِ عَبْدًا بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ وَثَوْبًا مَرْوِيًّا بِقِيمَةِ الْقُوهِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَا حَلَالَيْنِ فَلَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ عَبْدٍ وَسَطٍ أَوْ قِيمَتِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ إنَّ الْقِسْمَةَ رُبَاعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَا حَرَامَيْنِ أَوْ حَلَالَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا حَرَامًا وَالْآخَرُ حَلَالًا فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا إذَا كَانَا حَرَامَيْنِ أَوْ الْمُشَارُ إلَيْهِ حَرَامًا وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْآخَرَيْنِ وَمَسْأَلَةُ مَا إذَا كَانَا حَرَامَيْنِ مَذْكُورَةٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الزِّقِّ السَّمْنِ فَإِذًا لَا شَيْءَ فِيهِ كَانَ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الزِّقِّ سَمْنًا إنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي الزِّقِّ مِنْ السَّمْنِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا مِنْ الْبُيُوعِ إلَخْ) رَدٌّ لِكَلَامِهِ بِكَلَامِهِ. (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَالِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِي أَشْرِبَةِ الْوَافِي يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَضِمْنُ مُتْلَفِهِ فَالطَّلَا وَهُوَ الْعَصِيرُ إنْ طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ السُّكَّرُ وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الرُّطَبِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ إنْ اشْتَدَّ وَغَلَى كَذَلِكَ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمُثَلَّثُ الْعِنَبِيُّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ فَإِذَا هُوَ قُوهِيٌّ) نِسْبَةٌ إلَى قُوهِسْتَانَ بِالضَّمِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كُورَةٌ وَمَوْضِعٌ بَيْنَ نَيْسَابُورَ وَهَرَاةَ وَقَصَبَتِهَا وَبَلَدٍ بِكَرْمَانَ وَمِنْهُ ثَوْبٌ قُوهِيٌّ لِمَا يُنْسَجُ بِهَا أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ أَشْبَهَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُوهِسْتَانَ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ التَّسْمِيَةُ فِي الْآخَرَيْنِ) وَهُمَا مَا إذَا كَانَا حَلَالَيْنِ أَوْ الْمُشَارُ إلَيْهِ حَلَالًا فَفِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى لَوْ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتُهُ وَفِي الثَّانِي لَهَا الْمُشَارُ إلَيْهِ.