أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْعِهَا لَهُ مِمَّا ذُكِرَ إلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهَا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهَا وَالزِّيَارَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْبُوسَةٍ لَحِقَهُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إيفَائِهِ؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لَهُ وَإِلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً قَبْلَ إيفَاءِ الْمَهْرِ وَبَعْدَهُ لَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا قَبْلَ إيفَائِهِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ النَّفَقَةِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا عَلَى كُرْهٍ مِنْهَا إنْ كَانَ الِامْتِنَاعُ لَا لِطَلَبِ الْمَهْرِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ وَإِنْ كَانَ لِطَلَبِ الْمَهْرِ لَا يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ اهـ.
وَأُطْلِقَ فِي الْإِخْرَاجِ فَشَمِلَ الْإِخْرَاجَ مِنْ بَيْتِهَا وَمِنْ بَلَدِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَتَفْسِيرُ الْإِخْرَاجِ بِالْمُسَافَرَةِ بِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ لَهُ إخْرَاجَهَا مِنْ بَيْتِهَا إلَى بَيْتٍ آخَرَ فِي مِصْرِهَا وَأُطْلِقَ فِي الْمَهْرِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَا بِحُلُولِهِ أَوْ بِتَعْجِيلِهِ أَوْ بِتَأْجِيلِهِ كُلِّهِ أَوْ بِحُلُولِ بَعْضِهِ وَتَأْجِيلِ بَعْضِهِ أَوْ يَسْكُتَا فَإِنْ شَرَطَا حُلُولَهُ أَوْ تَعْجِيلَهُ كُلَّهُ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ وَالْحُلُولُ وَالتَّعْجِيلُ مُتَرَادِفَانِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَكَذَا إذَا شَرَطَا حُلُولَ الْبَعْضِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَقْبِضَ الْمَشْرُوطَ فَقَطْ
وَأَمَّا إذَا شُرِطَ تَأْجِيلُ الْكُلِّ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا بِالتَّأْجِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ تَأْجِيلَهُ كُلَّهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْتَى اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ.
وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَأْخِيرِ الدُّخُولِ عِنْدَ تَأْخِيرِ جَمِيعِ الْمَهْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأُسْتَاذَ ظَهِيرَ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ لَهَا ذَلِكَ اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إذَا كَانَ الْمَهْرُ مُؤَجَّلًا ثُمَّ حَلَّ الْأَجَلُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ سَنَةً مَثَلًا فَلَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا حَتَّى مَضَى الْأَجَلُ هَلْ يَصِيرُ حَالًّا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ سَنَةٍ بَعْدَ التَّسْلِيمِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ قِيسَ النِّكَاحُ عَلَى الْبَيْعِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَبَرُوهُ بِهِ هُنَا وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ أَحَالَتْ الْمَرْأَةُ رَجُلًا عَلَى زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ فَلَهَا الِامْتِنَاعُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ الْمُحْتَالُ؛ لِأَنَّ غَرِيمَهَا بِمَنْزِلَةِ وَكِيلِهَا وَإِنْ أَحَالَهَا الزَّوْجُ بِمَهْرِهَا لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَإِنْ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ كَالْمَعْلُومِ
وَهَذِهِ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُصَرَّحَ بِحُلُولِ كُلِّهِ أَوْ تَعْجِيلِهِ أَوْ حُلُولِ بَعْضِهِ وَتَأْجِيلِ بَعْضِهِ أَوْ تَأْجِيلِ كُلِّهِ أَجَلًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا أَوْ مُتَقَارِبًا أَوْ مُتَفَاحِشًا فَهِيَ سَبْعَةٌ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بِشَرْطِ الدُّخُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا فَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدَهُ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاحِشَةً كَإِلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ فَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ وَيَجِبُ الْمَهْرُ حَالًّا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّأْجِيلَ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ مُتَفَاحِشٌ فَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا بِمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعَقْدِ. وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِالتَّأْجِيلِ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اخْتِلَافًا فِيهِ وَصُحِّحَ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَحُكْمُ التَّأْجِيلِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَحُكْمِهِ فِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الدُّخُولُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَوْ شَرَطَهُ وَرَضِيَتْ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِالطَّلَاقِ يَتَعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ
ــ
[منحة الخالق]
وَتَأْخِيرِ تَسْلِيمِهَا وَلَا كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ اهـ.
وَهَذَا إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا فِي الْبَدَائِعِ فَمَا فِي الْمُحِيطِ أَوَّلًا أَيْ مِمَّا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ بَالِغَةً) عِبَارَةُ الْفَتْحِ لِلْأَبِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْبِكْرِ قَبْلَ إيفَائِهِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى زَوَّجَ بِنْتَه الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِعِيَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهَا مَعَهُ وَإِنْ كَرِهَ الزَّوْجُ فَإِنْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا فَكَأَنَّ الْمُؤَلِّفَ أَخَذَ التَّعْمِيمَ مِنْ إطْلَاقِ كَلَامِ الْفَتْحِ أَوْ فَهِمَ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَالِغَةِ فِي كَلَامِ الْفَتَاوَى اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا) أَيْ وَبَعْدَ إيفَاءِ الزَّوْجِ الْمَهْرَ لَا يُسَافِرُ الْأَبُ بِهَا
(قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَا) لَمْ يَسْتَوْفِ جَمِيعَ الصُّوَرِ صَرِيحًا فَنَقُولُ إمَّا أَنْ يُصَرِّحَا بِحُلُولِهِ أَوْ تَأْجِيلِهِ أَوْ حُلُولِ الْبَعْضِ وَتَأْجِيلِ الْبَعْضِ أَوْ يَسْكُتَا وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا مُتَقَارِبًا أَوْ مُتَفَاحِشًا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُشْتَرَطَ الدُّخُولُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةَ عَشْرَ صُورَةً وَفِي اشْتِرَاطِ الْحُلُولِ أَوْ تَأْجِيلِ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ إذَا جَاءَ الصَّرِيحُ بِخِلَافِهِ) يَعْنِي لَهَا الِامْتِنَاعُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ فِيمَا لَوْ شَرَطَا الْحُلُولَ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ فِي تَعْجِيلِ الْبَعْضِ وَتَأْجِيلِ الْبَعْضِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْعُرْفُ لِلتَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ. (قَوْلُهُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا اخْتِيَارٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْأُسْتَاذُ ظَهِيرُ الدِّينِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ الْعَقْدُ مُوجِبًا لِتَسْلِيمِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَهْرِ بِالتَّأْجِيلِ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ بِحُلُولِ الْأَجَلِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ اتِّفَاقًا) قَالَ نُوحِ أَفَنِدِّي فِي كَلَامِ قَاضِي خَانْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ كُلُّ الْمَهْرِ مُؤَجَّلًا وَشُرِطَ الدُّخُولُ قَبْلَ أَدَاءِ شَيْءٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ اهـ.
فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ