وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ فَعِنْدَهُ تَسْتَحِقُّهَا وَلَيْسَتْ بِنَاشِزَةٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تَسْتَحِقُّهَا وَهِيَ نَاشِزَةٌ كَذَا قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ نَاشِرَةً عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا مَنَعَتْهُ مِنْ الْوَطْءِ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُشُورٍ مِنْهَا بَعْدَ أَخْذِ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي النَّفَقَاتِ
وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ كَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصِّفَار يُفْتِي فِي الْمَنْعِ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي السَّفَرِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ، وَهَذَا حَسَنٌ فِي الْفُتْيَا يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَلَوْ مَنَعَتْ لَا نَفَقَةَ لَهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا وَلَا يُسَافِرُ بِهَا وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ لِطَلَبِ الْمَهْرِ وَلَهَا النَّفَقَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُيِّدَ بِقَوْلِهِ لِلْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُمَا بَعْدَ قَبْضِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَطْلُبَ انْتِقَالَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْمِصْرِ أَوْ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ بَيَانُ الْبَيْتِ الشَّرْعِيِّ وَأَنَّهُ يُسَكِّنُهَا بَيْنَ جِيرَانٍ صَالِحِينَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنِسَةٌ لَهَا كَمَا فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ الْمَقْبُوضَ زُيُوفًا أَوْ سَتُّوقَةً أَوْ اشْتَرَتْ مِنْهُ بِالْمَهْرِ شَيْئًا فَاسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَوْ سَلَّمَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْمَنْعِ فَكَذَا هَذَا وَلَيْسَ هَذَا كَالْبَيْعِ اهـ.
وَلَمْ يُذْكَرْ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّ نَقَلَهَا مِنْ مِصْرَ إلَى قَرْيَةٍ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى مِصْرَ أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ فِيهِ وَعَلَّلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ بِأَنَّهُ تَبْوِئَةٌ وَلَيْسَ بِسَفَرٍ، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا فِي نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الرُّسْتَاقِ فَعَزَا إلَى كُتُبٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ عَزَا إلَى غَيْرِهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا طَلَبَ انْتِقَالَهَا مِنْ مِصْرِهَا إلَى مِصْرَ أُخْرَى فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ والولوالجية أَنَّ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَيْهَا أَوْ لَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفْتَى بِهِ فَذُكِرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ اهـ.
فَهَذَا إفْتَاءٌ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَفْتَى أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ وَتَبِعَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مُطْلَقًا بِغَيْرِ رِضَاهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا فِي مَنْزِلِهَا فَكَيْفَ إذَا خَرَجَتْ وَصُرِّحَ فِي الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا فِي فُصُولِ الأسروشني مَعْزِيًّا إلَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ الْفَقِيهِ فَقَدْ رَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَ الْفَقِيهِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِعَدَمِ الْإِضْرَارِ، أَلَا تَرَى إلَى سِيَاقِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَفِي إخْرَاجِهَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا إضْرَارٌ بِهَا فَلَا يَجُوزُ. اهـ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ اخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ كَمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَالْمُؤَجَّلَ وَكَانَ مَأْمُونًا يُسَافِرُ بِهَا وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ فَلَعَلَّهَا إنَّمَا رَضِيَتْ بِالتَّأْجِيلِ لِأَجْلِ إمْسَاكِهَا فِي بَلَدِهَا أَمَّا إذَا أَخْرَجَهَا إلَى دَارِ الْغُرْبَةِ فَلَا قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ وَبِهِ يُفْتَى اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالْأَحْسَنُ الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْفَقِيهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَهَا مَنْعُهُ إلَى أَنَّهَا بَالِغَةٌ فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَلِلْوَلِيِّ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَقْبِضَ مَهْرَهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ مِنْ الْوَطْءِ وَالْإِخْرَاجِ.
(قَوْلُهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُؤْنِسَةٌ) الظَّاهِرُ أَنْ لَا النَّافِيَةَ سَاقِطَةٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ فِي زَمَانِنَا لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَالْقَوْلُ بِنَقْلِهَا إلَى الْقَرْيَةِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ يُسَافَرُ بِهَا إلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ اهـ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ فِي كَلَامِ الِاخْتِيَارِ الشَّرْعِيُّ بَلْ النَّقْلُ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ. (قَوْلُهُ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لِغَلَبَةِ الصَّلَاحِ وَالْأَمْنِ عَلَيْهَا وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَأْمُونًا عَلَيْهَا أَوَّلًا اهـ.
يَعْنِي: أَنَّ جَوَابَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَشْرُوطٌ بِالصَّلَاحِ حُكْمًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ بِقَوْلِ الْفَقِيهَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُمَا أَبُو الْقَاسِمِ الصِّفَار وَأَبُو اللَّيْثِ مِنْ عَدَمِ السَّفَرِ بِهَا مُطْلَقًا اهـ.
قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْمُحِبِّيَّةِ، وَالْأَوْلَى الْمَنْعُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَقَدْ اخْتَارَهُ النَّاظِمُ بَلْ جَزَى اللَّهُ تَعَالَى الشَّيْخَ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّفَّارَ كُلَّ خَيْرٍ حَيْثُ اخْتَارَ الْمَنْعَ فَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ مَشَايِخِي الزَّاهِدِينَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ فِي بِلَادِ الرُّومِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً حُرَّةً مِنْ بَنَاتِ الْكِبَارِ ثُمَّ سَافَرَ بِهَا إلَى أَقْصَى مَكَانِ وَبَاعَهَا عَلَى أَنَّهَا أَمَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَعْرِفُهَا وَاسْتَمَرَّتْ مُدَّةً عِنْدَ مَنْ اشْتَرَاهَا حَتَّى سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُهَا فَأَخْرَجُوا أَمْرًا مِنْ جَانِبِ السَّلْطَنَةِ الْعَلِيَّةِ بِأَخْذِهَا فَأُخِذَتْ وَلَا حَوْلَ