بالنظر فيما سبق من أدلة، وما ورد عليها من مناقشات، وما أجيب به عن هذه المناقشات، فإن الّذي يظهر هو رجحان القول الأوّل القاضي بجواز أخذ الأجرة على قضاء الصلوات المنذورة عن الميِّت، إذا لم يؤدها الولي عنه، أو لم يتبرع أحد بأدائها عنه.
ويرجع سبب ترجيح هذا القول لما يأتي:
أوَّلًا: قوة أدلته، حيث تضافرت الأدلة من المنقول، والمعقول على ترجيح هذا القول؛ وذلك بالنظر إلى أدلة بقية الأقوال الأخرى، وما ورد عليها من مناقشات. ثانيًا: إنَّ هذا القول وسط بلاين الأقوال الأخرى، فهو أعدل الأقوال؛ وذلك لأنّ من أجاز مطلقًا قد تعلّق بعمومات النصوص، وهي محتملة لما ذهبوا إليه ولغيره، ومن المعلوم أن تطرق الاحتمال إلى الدّليل يضعف من دلالته.
وقد أمكن مناقشة أدلة هذا القول بما يضعف من دلالتها كما سبق.
وأمّا من منع مطلقًا فقد حجّر واسعًا، وصادم نصوصًا صحيحة صريحة لا يمكن إطراحها وإهمالها، ثمّ إنّه أمكن مناقشة ما استدلوا به حيث لم يسلم لهم دليل، حتّى ما استدلوا به من الإجماع لم يسلم من القدح.
وأمّا من أجاز ذلك في النَّذْر، والفرض الّذي نسيه، أو نام عنه الميِّت، فإنّه وافق أصحاب القول بالجواز مطلقًا فيما استدلوا به، وقد أمكن ردّ ذلك كله، وأمّا ما وافق فيه أصحاب القول الأوّل فقد جاءت أدلته قوية بما يسلم له بها الاستدلال.
ثالثًا: إنَّ في اختيار هذا القول مقاصد ومصالح كثيرة:
١ - تبرئة ذمة الميِّت، وفكّ رهانه؛ حيث قد أشغل ذمته، وألزم نفسه بما لم يلزمه الله تعالى (١).