للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: أن هذا القول جاء وسطًا بين المانعين والمجيزين، فهو أعدل الأقوال؛ لأننا لو قلنا بالمنع مطلقًا لأدّى ذلك إلى إيقاع النَّاس في الحرج الشديد، ولأدّى كذلك إلى ضياع القرآن، فإن المعلم محتاج للنفقة لنفسه ولمن يعول، فلو قعد للتعليم بدون النفقة ضيع أولاده، وإن اشتغل بمعاشه ضيع القرآن، فكان القول بأخذ الأجرة على تعليم القرآن فيه مراعاة للجانبين: مرعاة جانب المعلم بإعطائه الأجرة الّتي تكفيه مؤونة العيش ومراعاة لجانب الشّرع بالمحافظة على كتاب الله العظيم الّذي حاجة النَّاس إليه أشد من حاجتهم إلى الطّعام والشراب.

وإذا قلنا بالجواز مطلقًا نكون قد أهملنا جانب الاحتساب، وقد قال النّبيّ: - صلّى الله عليه وسلم - (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) (١).

فإن الأصل هو تعليم القرآن حسبة لوجه الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أمّا تعليم القرآن والعلّم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، وهذا ممّا يعلم بالاضطرار من دين الإسلام، ليس هذا ممّا يخفى على أحد ممّن نشأ بديار الإسلام، والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأُمَّة بالقرآن والحديث والفقه إنّما كانوا يعلمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلًا" (٢).


(١) أخرجه البخاريّ، كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه ٨/ ٦٩١ (٥٠٢٧)، وفي رواية للبخاري: (إنَّ أفضلكم ...) ٩/ ٦٩١ (٥٠٢٨).
(٢) مجموع الفتاوى لابن تيمية ٣٠/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>