ونقول من حيث الأساس إن الآيات المدنية المروية في السور المكية ليست كثيرة العدد حتى مع التسليم بصحة رواية مدنيتها جميعها. ففي مصحف مصطفى نظيف قدور أو غلي المطبوع من قبل عبد الحميد أحمد حنفي والمصدق عليه من قبل اللجنة المعينة بأمر الملك فؤاد (١٤٧) آية قيل إنها مدنية في (٣٤) سورة من مجموع الآيات البالغ عددها أربعة آلاف ونيفا، فليس مما ينقض ما قررناه وجود هذه الآيات في هذه السور بحيث يمكن أن يفرض أن النبي أمر بإضافة هذه الآيات إلى المكان المناسب لها في السور المكية لتناسب السياق أو الموضوع أو لتدعيمه، ولا يترتب على هذا أن لا تكون السور المكية مرتبة قبل ذلك. هذا مع أن دمج هذه الآيات في سياق مناسب لها في سور مكية يدل دلالة قوية على العكس، أي على أن الآيات المكية كانت مرتبة في سورها من جهة وعلى أن ترتيب الآيات في السور قد كان في حياة النبي وأمره بل وعلى أن عملية التأليف والترتيب والتركيز كانت مستمرة بأمر النبي وتناسب الموضوع وتلازمه بين الآيات المدنية التي لا تحتمل مدنيتها شكا في السور المكية وهي آخر آية في سورة المزمل وآخر آية في سورة الشعراء والآيات [١٦٤- ١٧١] في سورة الأعراف يعد دليلا قرآنيا على أن وضعها كان بأمر النبي، ومؤيدا لما نحن في صدد تقريره، فآية المزمل الأخيرة تخفف التكليف الذي كلف به النبي في أولها من قيام الليل وتعذر المسلمين بسبب كثرة مشاغلهم وواجباتهم التي منها القتال الذي لم يكن إلا في العهد المدني، وآية الشعراء تستثني الشعراء المسلمين الذين كانوا يقابلون شعراء المشركين على هجوهم النبي والمسلمين من النعت الذميم الذي نعت به الشعراء وآيات الأعراف في صدد حادثة عدوان اليهود في يوم السبت وما كان من غضب الله عليهم بسببه وقد وضعت في سلسلة قصة بني إسرائيل وبدئت بأمر النبي بتذكير يهود المدينة بأمرهم. فالتناسب قائم بين الآيات المدنية والفصول المكية كما هو ظاهر.
أما الروايات عن الآيات المكية في السور المدنية فإنها قليلة جدا فهي في المصحف الذي ذكرناه سبع آيات في الأنفال [٣٠- ٣٦] وآخر آيتي التوبة والآية