ومنهم الطبرسي الذي قال إن بعض الأحاديث المروية موقوفة وبعضها مرفوعة وإن المحققين لم يأخذوا بها لأن ظاهر القرآن يشهد بخلاف التأويل الذي انطوى فيها لأن الله تعالى قال وإذ أخذ ربك من بني آدم ولم يقل آدم وقال من ظهورهم ولم يقل من ظهره وقال ذريتهم ولم يقل ذريته ثم أخبر أنه فعل ذلك لئلا يقولوا إنهم كانوا عن ذلك غافلين ويعتذروا بشرك آبائهم وهذا يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون فلا يتناول الظاهر ولد آدم لصلبه. ثم إن الذرية المستخرجة لا تخلو إما أن تكون عقلاء أو غير عقلاء. فإن كانوا غير عقلاء فلا يصح أن يعرفوا التوحيد ويفهموا خطاب الله وإن كانوا عقلاء وأخذ عليهم الميثاق فلا يصحّ أن ينسوه لأن الحجة لا تكون إلّا لذاكر ولا يصح أن ينسى الجمع الكثير والجمّ الغفير من العقلاء شيئا كانوا عرفوه وميّزوه. وإن العبارة في معنى أن الله أقام الدليل في عقولهم وخلقهم على ربوبيته حتى صار ذلك عندهم مسلّما به بالفطرة وتعذّر امتناعهم عنه فصاروا في منزلة المعترف المقر. ولم يكن هناك إشهاد صورة وحقيقة ونظير ذلك قوله تعالى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١] .
ولم يكن منه سبحانه قول ولا منهما جواب. وشيء من هذا قاله ابن كثير الذي نبّه على ما في الأحاديث من علل. ومما قاله إن الشهادة تارة تكون بالقول وتارة تكون بلسان الحال كما جاء في الآية: ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة: ١٧] . وإن مما يدلّ على أن المراد بهذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك. فلو كان وقع كما قال من قال لكان كل يذكره ليكون حجة عليه. ومنهم البيضاوي الذي نحا منحى الاثنين باقتضاب.
ومنهم ابن كثير الذي تردّد بين القولين مع جنوح إلى الثاني. ومما قاله إن المراد بالإشهاد هو ما فطرهم الله عليه من التوحيد وأن الشهادة تكون تارة بالقول وتارة بلسان الحال. وإن مما يمكن أن يكون دليلا على ذلك جعل الإشهاد حجة عليهم في الشرك فلو كان قد وقع هذا كما قال مكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه.
وقد نحا رشيد رضا والقاسمي اللذان أوردا كلاما كثيرا منحى ابن كثير وأوردا فيما