السور مرتبة بحسب مكيتها ومدنيتها أو بحسب نزولها حتى يعلل هذا الشذوذ بذلك وليس هذا بعسير التعيين والعمل كما يبدو للمدقق في السور.
وننبه على أننا هنا بسبيل الاستلهام من القرآن. ونعتقد أن ما قررناه تعليقا على الروايات والأحاديث والأقوال بأن ترتيب الآيات في السور وترتيب السور في تسلسلها المتداول في حياة النبي وبأمره هو قوي بذاته فضلا عن ما تلهمه القرائن القرآنية، وقوته مستمدة بنوع خاص من اتساقه مع طبائع الأمور والظروف، ومن سكوت جميع الروايات والأحاديث المتصلة بأصحاب رسول الله عن القول بأن تحرير المصحف في زمن أبي بكر ونسخ المصاحف في زمن عثمان قد استهدفا ترتيب آيات في سور أو سور في تسلسل أو تناولاه ولهذا دلالته الخطيرة، ومن أن مصحف عثمان هو نسخة طبق الأصل لمصحف أبي بكر وهو أصل المصحف المتداول في ترتيب آياته وسوره.
هذا وأخيرا نريد أن ننبه على أمر مهم في صدد هذه المباحث ومداها فإن ما تناولته إنما هو بسبيل البحث العلمي والتاريخي، وليس من شأنه أن يمسّ لبّ الموضوع، وهو كون القرآن المتداول بين المسلمين والذي هو في متناول الجميع سوره وفصوله ومجموعاته وآياته وكلماته ونظمه متصلا بالنبي وصادرا عنه مباشرة بوحي رباني نزل على قلبه، وكون هذا لم يكن في وقت من الأوقات موضع أخذ وردّ ومحل شك وتوقف من قبل المسلمين على اختلاف نحلهم وفرقهم وأهوائهم ومن لدن مشاهدي العيان في حياة النبي إلى الآن، كما أن صدوره مباشرة عنه لم يكن محل ريب من قبل غير المسلمين أيضا، وكون ما جاء ذكره في الروايات جميعها وعلى ما فيها من علل كثيرة من الآيات والكلمات والحروف لا يزيد على أكبر تقدير عن واحد في المائة من آيات القرآن التي تزيد عن ستة آلاف ومئتين، وكلماته التي تزيد عن سبعة وسبعين ألفا وحروفه التي تزيد عن ثلاثمئة ألف، وكون هذه النسبة التافهة جدا مع العلل الكثيرة التي تجعلها غير صحيحة ليس من شأنها أن تخل بتلك الحقيقة المسلم بها، وأن القرآن كان وظلّ ولن يزال معجزة النبي العظمى الخالدة أصفى منبع للأحكام والعقائد والتشريع والإلهام والفيض والتوجيه