فالواضح من كل ذلك أن هذه الأمور- عدا فصل الآيات بفاصلة ما- هو عمل تنظيمي متأخر وليس له أصل في المصحف العثماني.
وقد استثنينا فصل الآيات بفاصلة ما لأننا نعتقد أن المصحف العثماني لم يسرد الآيات سردا دون فصل بينها، ولأن الآية هي الوحدة القرآنية الصغرى المستقلة، وقد أشير إليها في القرآن نصا كذلك كما جاء مثلا في آية النحل [١٠١] هذه وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ. فلا يعقل إلا أن توضع فواصل بين الآيات. ولعل الفاصلة التي كانت تفصل بين الآيات في المصحف العثماني هي نقطة صماء.
وهناك اختلاف في عدد آيات كثير من السور. وقد ذكر السيوطي في «الإتقان» أن المتفق على عدد آياته أربعون سورة فقط. ومع أن هناك حديثا أورده ابن العربي عن النبي عليه السلام ونقله السيوطي يفيد أن الفاتحة سبع آيات والملك ثلاثون آية فإن هذا لم يمنع الخلاف على عدد آيات هاتين السورتين أيضا. وقد قال بعض العلماء إن سبب اختلاف السلف في عدد الآيات أن النبي عليه السلام كان يقف على بعض كلمات من الآيات فيحسب السامع أنه يقف على آخر الآية. على أن مما يرد أن يكون ليس في تمييز بعض الفواصل في المصحف العثماني فكان هذا الخلاف في المصاحف التي نسخت عنه وتدوولت. وننبه على أن الخلاف في عدد الآيات ليس كبيرا، وكل ما تناوله دار في نطاق ضيق من نقص آية أو آيتين في بعض السور أو زيادة آية أو آيتين في بعض آخر مثل وصل بعضهم كلمات «طسم وطس» في سور الشعراء والنمل والقصص و «الم» في سورة العنكبوت وغيرها و «الر» في سورة يونس وغيرها و «حم» في سورة فصلت وغيرها وعدها موصولة مع ما بعدها أو مفصولة عنه فتكون آية عند من عدها مفصولة ولا تكون كذلك عند من عدها موصولة، ومثل عدّ البسملة آية في سورة الفاتحة وعدم عدها، وعدّ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ في سورة الفاتحة آية عند بعضهم أو آيتين عند بعض آخر.