ونقول في صدد ترتيب نزول السور إننا اطلعنا على عدة ترتيبات. منها ترتيب المصحف الذي اعتمدناه ونعني مصحف قدور أو غلي، ومنها ترتيب للسيوطي استند فيه إلى ما اعتمده من الروايات، ومنها ترتيب في تفسير الخازن وآخر في تفسير الطبرسي، وثلاثة أخرى أوردها السيوطي في «الإتقان» منسوبة إلى الحسن وعكرمة وابن عباس وجابر. وبين هذه الترتيبات تخالف يسير أو كبير، مع التنبيه على أن مضامين بعض السور المكية والمدنية تسوغ التوقف في ترتيبها الوارد في هذه الترتيبات، وتحمل على القول إنها لا تمثل الحقيقة تمثيلا صادقا، وإنه ليس هناك ترتيب يثبت على النقد والتمحيص بكامله أو يستند إلى أسناد وثيقة متصلة بالعهد النبوي. فهناك روايات عديدة مختلفة في صفات بعض السور وبينما يسلك بعضهم سورا في سلك السور المكية أو بالعكس مثل سور الرعد والحج والرحمن والإنسان والزلزلة والفلق والناس والإخلاص والكوثر وقريش والعصر والعاديات والقدر والمطففون والفاتحة التي تسلكها بعض الروايات في السلك المدني بينما تسلكها روايات أخرى في السلك المكي، ومثل سور الحديد والصف والتغابن والبينة التي تسلكها بعض الروايات في السلك المكي، بينما تسلكها روايات أخرى في السلك المدني. وفضلا عن ذلك فإن في القول بترتيب نزول سور القرآن تجوزا خاصة بالنسبة لبعض السور المدنية حيث تلهم مضامينها أن بعض فصول سور متقدمة في روايات الترتيب قد نزلت بعد بعض فصول سور متأخرة فيه، وإن فصول هذه السور قد ألفت تأليفا متأخرا عن نزولها وقتا ما مما ذكرنا بعض نماذجه ونبهنا عليه في بحث سابق. وكل ما يمكن أن يقال في مثل هذه السور إن وضعها في ترتيب النزول كسور تامة بعد سور تامة حقيقة أو رواية إنما جاء من أن فصلها الأول أو فصولها الأولى قد نزلت بعد الفصل الأول أو الفصول الأولى من السورة التي قبلها.
ولقد أجمعت الروايات مثلا على أن سور العلق والقلم والمزمل والمدثر هي أوائل السور نزولا على اختلاف في الأولية بينها، وعند التدقيق تراءى لنا أن هذه