الاحتجاج والمماحكة، وتلزم اليهود حدّهم فيما كانوا يرسلونه من مطاعن شنيعة في عيسى وأمه عليهما السلام.
ويلفت النظر إلى أن الآيات لم تكتف بوضع الأمور في نصابها الحقّ، وهي تقرر ما تقرره، بل اشتملت على تعقيب تدعيمي في الدعوة إلى الله وحده التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة إليها سواء أفي الآية الأخيرة من السلسلة أم في ما تلاها من الآيات على ما يأتي شرحه. وهكذا يتسق هدف هذه القصة مع هدف القصص القرآني العام كما هو واضح.
ومن الجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى التقارب والتطابق بين ما جاء في القرآن وما جاء في إنجيل لوقا من قصة البشارة بيحيى وعيسى ومعجزة ولادتهما على ما أوردناه قبل قليل فإن في هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة الأخرى المتداولة اليوم والمعترف بها من النصارى، والتي كتبت لتكون ترجمة لحياة عيسى عليه السلام، واحتوت أقوالا وأفعالا كثيرة منسوبة إليه، ونصوصا كثيرة جدا متطابقة متقاربة لما حكي عن لسان عيسى عليه السلام، وأفعالا كثيرة منسوبة إليه ونصوصا تتطابق بصراحة لما حكى القرآن عن لسانه. ومن ذلك قوله أن الله هو الذي أرسله وأنه لا يستطيع أن يقول ويفعل شيئا إلا بأمره وأنه ابن البشر وأن الله ربّ السموات والأرض وأنه كان يصلي الله وحده ويأمر الناس أن يصلوا له وحده، ويقدسوه وحده ويطلبوا منه الغفران وحده وأنه كان يقول إن من يؤمن به فإنه في الحقيقة يؤمن بالذي أرسله. وهذا بالإضافة إلى نصوص كثيرة جدا لا تخرج عن مدى ذلك، ومن ذلك ما كان يوجهه إلى الله من نداءات وأدعية واستغاثات إلخ مما يلهم بأن الذين كانوا لا يعتقدون بألوهية المسيح أو ببنوّته لله أو بجزئيته منه أو الذين يعتقدون بناسوتيته أو ببنوّته على ما ذكرناه قبل، إنما كانوا يستندون إلى هذه الأقوال. ومما يجعل فكرة اختصاص المسيح ببنوّة الله أو ما في نطاقها أو في ألوهيته وربوبيته أو جزئيته الإلهية غير قائمة على أساس وثيق. وفي كل هذا ما فيه من إلزام، ومن إبراز كون الغلوّ في أمر عيسى عليه السلام ليس في الكتب المتداولة وإنما في عدم تأويلها تأويلا سليما، وعدم فهمها فهما صحيحا.