عليه السلام في نصابه الحق. وهو أن ولادته هي معجزة ربانية لا تقتضي أن يكون بها إلها أو أن يسمى تسمية إلهية ما. وأنه عبد الله ورسوله أرسله للدعوة إليه وحده وإلى مكارم الأخلاق والأعمال الصالحة والتحذير من الانحراف.
وقد انطوى فيما جاء متطابقا بين القرآن وبين ما في أيدي النصارى من أسفار قصد الإفحام والإلزام، وإخراجهم من الانحراف إلى صراط الله المستقيم. أما ما جاء متباينا بين ما في القرآن والأسفار فيكون من جهة النظر الإسلامية تحريفا. والله تعالى أعلم.
ونقطة أخرى يحسن الإلمام بها في هذه الخاتمة وهي ما ذكر في القرآن من نفخ الله تعالى في فرج مريم من روحه ومن أن عيسى عليه السلام كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه، كما جاء في آيات النساء [١٧١] والأنبياء [٩١] والتحريم [١٢] . ويتبادر لنا أن هذا تعبير آخر لما جاء في آيات سورة مريم التي نحن في صددها إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا
(١٩) وأن العبارات القرآنية من نوع المتشابهات وأنها قد قصدت إلى تقرير كون حبل مريم وهي عذراء بعيسى عليهما السلام هو معجزة ربانية. وعلى المسلم كما قلنا أن يكل تأويل ما لا يدركه عقله إلى ربّه تعالى، ويستشف الحكمة منه وهي ما تبادر لنا ونبهنا عليه، والله تعالى أعلم.
ولقد وقف مبشر سمّى نفسه (الأستاذ حداد) عند الآيات [٣٤- ٣٦] والآيات [٣٧- ٤٠] التي بعدها حينما رأى الرويّ السبكي فيها مختلفا عما قبلها وبعدها فقال إنها مقحمة على السياق. ويستفاد من كتبه أنه يقصد بكلمة مقحمة أحيانا أنها مدنية وضعت في السياق المكي فيما بعد. وأحيانا أنها مزيدة بعد النبي لتدعيم الكلام. وموضوع الآيات تكرر في آيات مكية مثل آيات الزخرف [٦٣- ٦٥] التي أوردناها قبل. وهناك آيات عديدة مكية أخرى تنفي الولد عن الله وتدعو إلى عبادة الله وحده. وتنوع الرويّ في السور المكية ليس بدعا. وقد مرّت أمثلة عديدة منه. ومن ذلك مثلا الفصل الأخير في سورة ص. ولو سلّمنا جدلا أنها آيات مدنية