للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يحتفظ بنصرانيته من أبناء هذه النحلة ثم من أبناء النحلة الأخرى صاحبة عقيدة الطبيعتين، حيث كان لهم ما أرادوا وعاشوا في كتل صغيرة متناثرة هناك وهناك وهنالك عبر القرون العديدة التي كان السلطان الإسلامي فيها قويا وشاملا عملا بالمبدأ القرآني المحكم بأن لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ على ما شرحناه في سياق سورة (الكافرون) . وما يزعم المبشرون والمستشرقون من أنهم أسلموا بالسيف أو هربا من الجزية زيف لم يعد يأخذ به أحد أمام تلك الحقائق. وما ذكره المؤرخون المنصفون من النصارى توكيدا لها. ثم أمام حقيقة كبرى أخرى وهي أن الجزية كانت ضئيلة، وكانت تكاليف الإسلام أكثر منها أضعافا مضاعفة.

وفي صدد نعت مريم عليها السلام بصفة (أخت هرون) روى المفسرون عن القرظي وهي من مسلمي اليهود أنها كانت فعلا أخت موسى وهرون «١» . وتصيّد المستشرقون هذه الرواية الإسرائيلية وغمزوا النبي، وكانوا سخفاء في غمزهم. لأن المتبادر أن يكونوا أكثر إدراكا لكون النبي صلى الله عليه وسلم- ونقول هذا من قبيل المساجلة- لا يجهل المسافة بين مريم وهرون عليهما السّلام.

وهناك حديث صحيح يضع الأمر في نصاب الحق رواه الترمذي ومسلم جاء فيه «إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل المغيرة بن شعبة إلى نجران في أمر، فقال له نصاراها كيف يزعم نبيّك أن مريم أخت هارون. فلمّا رجع أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوه فقال له ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم» «٢» .

ونقول أخيرا إن من واجب المسلم الإيمان بما ورد في الآيات من أخبار ووقائع سواء منها المتطابق مع ما في الأناجيل المتداولة وغير المتطابق. والإيمان بأن ما فيها من خوارق للعادة هو في نطاق قدرة الله تعالى. وإيكال ما لم يدركه العقل من ذلك إلى علم الله مع الإيمان بأنه لا بد أن يكون لذكره بالأسلوب الذي ورد به من حكمة. ومن الحكمة الملموحة في ذلك وضع الأمر في شأن عيسى


(١) انظر تفسير الطبري والبغوي وابن كثير.
(٢) التاج ج ٤ ص ١٥٤. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>