المسألة الإيمانية الغيبية وأمثالها عند ما وقف عنده القرآن من ناحيتها الذاتية وكنهها وأن يقال آمنّا به كل من عند ربّنا.
وهذا لا يمنع من القول إن هاتين الآيتين وأمثالهما صورة من صور الوحي القرآني تبدوا أولا في صيغة الجمع وثانيا في حكاية كلام مباشر عن الملائكة حينا وعن النبي صلى الله عليه وسلم حينا. ولعل مما يمكن أن يضاف إلى هذا أن الآيات التي تجمع الروايات على أنها كانت جوابا على تساؤل من النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون نزلت بعد نزول الآيات السابقة لها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتدوينها فور نزولها بعدها ولو لم يكن بينها ارتباط بحيث يصح أن تشبه بآيات سورة القيامة [١٦- ١٩] من ناحية فورية النزول والتدوين والمناسبة وعدم الارتباط بما سبقها وبما لحقها على ما شرحناه في سياقها.
ومما يرد على البال أن يكون ذكر الأنبياء وما حظوا به من عناية ربانية وذكر مريم وظهور الملك لها كان هو المناسبة القريبة للتساؤل عن كيفية نزول الملائكة بأوامر الله فأوحى بهاتين الآيتين عن لسانهم بعد أن تم سياق الكلام في الآيات السابقة. وإذا صح هذا فإنه يوجد ترابطا بين الآيتين وبين السياق السابق كما هو واضح، وإن كان يتناقض مع الروايات المروية عن سؤاله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام.
على أن الاختلاف في روايات النزول مما يسوغ التوقف في الروايات الواردة من حيث الأصل، والله تعالى أعلم.
هذا، ويتراءى لنا فيما احتوته الآيتان من إعلان اعتراف الملائكة بحدودهم إزاء العزة الربانية وتقريرهم بإحاطة الله سبحانه بكل شيء وقدرته على كل شيء وعدم طروء ما يطروأ على البشر من غفلة ونسيان عليه، ونفي أي مشابهة له في الأسماء والصفات والقدرة الشاملة، وتوكيدهم على النبي صلى الله عليه وسلم وجوب التزام عبادته والخضوع له هدف تدعيمي للتقريرات القرآنية والدعوة الربانية في مختلف فصول القرآن في بيئة يتخذ غالب أهلها الملائكة أولياء وأربابا وشركاء قادرين على النفع والضرر. بل لعل الآيتين قد استهدفتا هذا الهدف بصورة رئيسية والله تعالى أعلم.