رسول الله الأسوة الحسنة كما هو المتبادر. ولقد كان ذلك واقعا في زمن النبي وفي العهدين المكي والمدني، بقرينة آيات الذاريات كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وآية المزمل الأخيرة التي مرّ تفسيرها.
ولقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن الآيات الأولى أي [٧٨- ٨٠] مع [٧٣- ٧٧] مدنيات. ولقد روى الترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة من مكة أنزل الله عليه وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠)«١» ولقد توقفنا في رواية مدنية الآيات السابقة لأن وحدة السياق والموضوع والنظم جامعة بينها وبين ما قبلها. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة لهذه الآيات. ولذلك نحن نتوقف في رواية مدنيتها كذلك. ومن العجيب أن رواية مدنية الآيات لم تشمل الآية [٨١] في حين أنها جزء غير منفصل عن السياق. وهذا مما يدعم صواب توقفنا. وحديث الترمذي لا يجعلنا نغيّر رأينا، ولا سيما أن مقتضاه أن تكون الآية [٨٠] نزلت لحدتها للمناسبة المذكورة فيه مع أنها جزء من سياق تام سبكا وموضوعا. ويظهر أن الطبري لم يأخذ بالحديث أو لم يثبت عنده حيث قال إن الآية متصلة بما قبلها وإنها بسبيل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء بأن ييسر له المخرج الصدق والمدخل الصدق والسلطان الذي ينتصر به على الكفار الذين يحاولون استفزازه ليخرجوه من الأرض وهو قول وجيه سديد.
وعلى كل حال فالمتبادر من روح الآيات جملة أن الأمر القرآني هو بقصد بثّ الروح والقوة في نفس النبي صلى الله عليه وسلم وجعله يأمل ويلتمس من الله النصر والتأييد والعزة وحسن المصير في مواقفه ومداخله ومخارجه عامة في مناسبة ما كان من اشتداد مناوأة زعماء الكفار وإزعاجهم.
ولقد أورد البغوي في سياق الآيات أحاديث عن تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في