للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل وما كان من اهتمامه الشديد لذلك «١» . ولا شك أن هذا من تلقين آيات سورة المزمل الأولى التي مر تفسيرها، وقد شاءت حكمة التنزيل أن تكرر الأمر له بذلك في الآيات التي نحن في صددها وأن تزيد فتؤمله بالمقام المحمود. ولقد ذكر المقام المحمود في أحاديث نبوية عديدة منها ما فيه توضيح له. رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبيّ يومئذ- آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي فيأتيني الناس فأنطلق معهم إلى أن قال فأخرّ ساجدا فيلهمني الله من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك سل تعط واشفع تشفّع، وقل يسمع قولك. وهو المقام المحمود الذي قال الله عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩) » «٢» وهناك حديث رواه البخاري عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمر للمؤمنين بدعاء الله بأن يؤتي رسوله المقام المحمود هذا نصه «من قال حين يسمع النّداء (الأذان) اللهمّ ربّ هذه الدّعوة التّامة والصّلاة القائمة آت سيّدنا محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلّت له شفاعتي يوم القيامة» «٣» .

والخطاب في الآية موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه تأميل رباني له بأن يبعثه الله مقاما محمودا. وما دام هناك حدث صحيح في توضيح مدى المقام المحمود يجب الوقوف عنده الإيمان بما فيه مع استئناف الحكمة منه. ويتبادر لنا من روح العبارة القرآنية وفحواها أن التنويه بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبث الروح والقوة فيه إزاء موقف الكفار وحثه على عبادة الله في كل وقت وبخاصة في الليل وبيان ما في ذلك من أسباب السكينة والطمأنينة والبشرى بما يكون له من نصر وسلطان ومقام محمود عند الله، كل ذلك من تلك الحكمة بالإضافة إلى ما شاءت عناية الله ورحمته من اختصاصه يوم القيامة بالشفاعة العظمى دون الأنبياء وهو المقام المحمود حقا وصدقا.


(١) هناك أحاديث وردت في الصحاح في فضل قيام الليل وشدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وحثه عليه انظر التاج ج ١ ص ٢٩٠- ٢٩٢.
(٢) التاج ج ٤ ص ١٤٤.
(٣) المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>