وحكمة النقطة الأولى ظاهرة جلية فيما يتبادر لنا. فالمخاطبون إنما يتأثرون بما احتوته الحادثة أو القصة التي تورد عليهم من موعظة أو مثل أو تذكير وزجر وتنبيه ودعوة إلى الاعتبار والارعواء والتأسي والتدبر في العاقبة إذا كانت مما يعرفونه أو مما يعرفه بعضهم جزئيا أو كليا مفصلا أو مقتضبا. أما إذا لم يكونوا يعرفونه فإنه لا يأتي مستحكم الإلزام والإفحام والتأثير والعبرة، ولا سيما على مخاطبين كافرين بأصل الدعوة التي يراد التذكير بمواقف الغير والسابقين من مثلها وبمصائرهم بسبب هذه المواقف أو جاهلين للحادثة التي يراد استخراج العبرة من سيرها وظروفها وعواقبها.
وهذه الملاحظة مهمة وجوهرية جدا، لأن من شأنها أن تحول دون استغراق الناظر في القرآن في ماهيات ووقائع ما احتوته القصص التي لم تقصد لذاتها، وأن تغنيه عن التكلف والتجوز في التخريج والتأويل والتوفيق أو الحيرة والتساؤل في صدد تلك الماهيات والوقائع، وأن تجعله يبقي القرآن في نطاق قدسيته من التذكير بالمعروف والإرشاد والموعظة والعبرة ولا يخرج به إلى ساحة البحث العلمي وما يكون من طبيعته من الأخذ والرد والنقاش والجدل والتخطئة والتشكيك على غير طائل ولا ضرورة.
ونريد أن نبحث في ما يمكن أن يرد على موضوع الملاحظة وخاصة نقطتها الأولى.
فلقد ورد في سورة هود بعد قصة نوح خاصة وورد في سورة يوسف بعد إتمام القصة وورد في سورة آل عمران في سياق نشأة مريم آيات جاء فيها تنبيه على