المستبعد أن تكون موضوعة كلّها بعد الإسلام، ونرجح أنها احتوت أشياء مما كان يدور في بيئة النبي عليه السلام حولهم، وأنها مما يمكن أن يستأنس به بأن العرب كانوا يتداولون عنهم أمورا كثيرة بقطع النظر عن صوابها وخطأها وزيادتها ونقصها، ومن الممكن أن يكون منها ما أتاهم عن الكتابيين لأن أسفار التوراة والإنجيل تحتوي أشياء كثيرة عنهم، كما أن من الممكن أن تكون أو يكون منها ما هو قديم لأن عقيدة وجود مخلوقات خفية طيبة وخبيثة من العقائد البشرية القديمة العامة التي تكاد توجد في جميع الأمم على اختلاف درجتها في الحضارة.
ومن المتبادر أن ما ورد عن الجن والشياطين وإبليس من صور قرآنية بغيضة ومن حملات على الكفار في سياقها متصل بما في أذهان العرب عنهم، وبسبيل تقرير كون الانحراف عن الحق والمكابرة فيه والاستغراق في الإثم والخبائث والانصراف عن دعوة الله هو من تلقيناتهم ودسائسهم ومظهرا من مظاهر الانحراف نحوهم وبسبيل التحذير من الاندماغ بهم لما في ذلك من مهانة ومسبّة. ومن هنا يأتي الكلام قويا ملزما ولا ذعا على ما هو ملموس في مختلف الآيات القرآنية، ويقوم البرهان على أن ذلك هو من الوسائل التدعيمية لأهداف القرآن وأسس الدعوة النبوية.
ولعلّ الحكمة الربانية في ما أوحى الله به من استماع نفر من الجنّ مرتين للنبي مرة في سورة الجن تلهم أن المستمعين يقولون بولد وصاحبة لله سبحانه- وهذا متصل من ناحية بعقائد العرب المشركين ومن ناحية بعقائد النصارى- ومرة في سورة الأحقاف تلهم أن المستمعين يؤمنون بكتاب موسى ومهتدون بكتاب هداه تنطوي من جهة ما على قصد التدعيم للرسالة النبوية بالإخبار بإيمان بعض طوائف الجنّ ممن يدين بديانات مختلفة منزلة وغير نازلة بالرسالة المحمدية ولهم ما لهم في أذهان العرب من صور هائلة.
ومن المتبادر كذلك أن ما ورد عن الملائكة من خضوعهم لله وعدم استكبارهم واستنكارهم واستنكافهم عن عبادته، واستغراقهم في تنفيذ أوامره