للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعرفتهم حدودهم منه، وعدم عصيان أمر له، وعدم إمكان شفاعتهم إلا بإذنه ورضائه، وما يكون من أمرهم في تلقي الكفار بالعنف والشدة وتلقي المؤمنين بالتطمين والبشرى في الآخرة، وما كان من أمرهم من المسارعة إلى السجود لآدم تنفيذا لأوامر الله بينما تمرد إبليس عن ذلك متصل هو الآخر بذلك القصد في بيان واقع الملائكة الذين لهم في أذهان العرب تلك الصور العظيمة الفخمة، وإن الكلام من هذه الناحية يأتي هو الآخر ملزما ومرهبا للكفار، ومطمئنا ومثبتا للمسلمين، ويقوم البرهان على أن ذلك هو من الوسائل التدعيمية لأهداف القرآن وأسس الدعوة النبوية.

ولعل المتمعن في الآيات التي جاء فيها ذكر الملائكة والجن وإبليس والشياطين وأعمالهم وتنوعها من جهة وما هنالك من آيات وجمل قرآنية عديدة فيها تقريرات حاسمة عن إحاطة الله بكل شيء في كل آن، وشمول قدرته لكل شيء، واستغنائه عن كل عون في تصريف ملكوت السماوات والأرض يلهم الناظر في القرآن أيضا أن تلك الآيات مع اتصالها بما في أذهان السامعين من صور قد جاءت بسبيل التقريب والتمثيل للناس الذين اعتادوا أن يروا الوسائل والوسائط في متنوع الأعمال ووجوه الحياة، ويعتبروها مظهرا من مظاهر العظمة والإحاطة ولا يدركوا المجردات إدراكا صحيحا.

فمن هذه الشروح يبدو واضحا كما هو المتبادر أن ما ورد عن الملائكة والجن ليس غريبا عن السامعين وإنه إنما استهدف كما قلنا التدعيم للدعوة النبوية وأهداف التنزيل القرآني أولا وليس هو مقصودا بذاته ثانيا، وإنه قائم على حكمة التدعيم بما هو معروف متداول ثالثا، وإن في ذلك تدليلا على أهمية ملاحظة ذلك في سياق النظر في القرآن تدبرا وفهما وتفسيرا، لأن من شأنها أن تحول دون استغراق الناظر فيه في الماهيات والكيفيات لذاتها من مثل خلقة الملائكة والجن وكيفية اتصالهم بالله والناس وقيامتهم بأدوارهم على اعتبار أن هذه الماهيات والكيفيات غير مقصودة لذاتها أولا ولا طائل من وراء التنقيب والاستغراق فيها لأنها ليس مما يدخل في نطاق الأسس والأهداف ثانيا كما أنها ليس مما يدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>