إلا الحار الشديد الحرارة (الحميم) ولا ظل فيها إلا ظل المساكن التي لا تحجب حرارة ويكون الظل فيها كوهج النار، ولا هواء فيها إلا الريح السموم، ولا شراب فيها إلا الغسلين والغساق، ولا طعام فيها إلا الزقوم والضريع، فإن السامعين والعرب خاصة لا يمكن إلا أن يتأثروا بها ويفهموا مداها لأنها منتهى ما تهلع له قلوبهم وتتكره منه نفوسهم من عذاب وبلاء متصل وصفها بالمشاهد والمعاني الدنيوية المألوفة أو المتصورة لديهم.
وإذا كان هناك شيء من الاستثناء مثل أنهار الخمر والعسل واللبن ووصف عرض الجنات بعرض السماوات والأرض فالأسلوب قوي الدلالة على أنه قد جاء في معرض التفخيم والتشبيه مما هو مألوف في كلام السامعين والعرب خاصة وأساليب لغاتهم وخطابهم.
وقد اختصصنا السامع العربي بالذكر لأن كثيرا من الأوصاف والألفاظ مما يحمل الدلالة على الحياة العربية والبيئة العربية بنوع خاص، بل وربما على الحياة والبيئة في الحجاز بنوع أخص. وهذا في ذاته قرينة قوية قائمة على ما نقرره.
ولعل في تنوع الأوصاف والصور والمشاهد القرآنية عن الآخرة وأهوالها ونعيمها وعذابها قرينة أو دليلا على صواب ما نقرره، فالجبال مثلا في جملة قرآنية تسير سير السحاب، وفي أخرى تنسف نسفا، وفي أخرى كثيب مهيل، وفي أخرى كالعهن المنفوش، وفي أخرى كالهباء المنثور، والسماء في جملة قرآنية تفتّح أبوابا وفي أخرى تتشقق، وفي أخرى تكسف، والنجوم في جملة تنتثر وفي أخرى تنطمس، والشمس في جملة تتكور، وفي أخرى تجمع مع القمر، وبينما السماء تتبدل نواميسها ومشاهدها مستقلة عن الأرض في جملة، والأرض تدك في جملة وتحمل الأرض والسماء فتدك دكة واحدة في جملة أخرى، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات في جملة أخرى كذلك، إلخ، والكافرون في جملة يدافعون عن أنفسهم في جملة، ويوردون متنوع الأعذار في جملة، ويجري أنواع الحوار بين بعضهم أو بينهم وبين الملائكة أو بينهم وبين الله في جمل بينما لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ولا يتساءلون في جمل أخرى، وفي