جملة ينفخ في الصور وفي أخرى ينقر في الناقور، وفي جملة ليس للكافرين طعام إلا من ضريع وفي أخرى إن شجرة الزقوم طعام الأثيم، وفي أخرى ليس لهم طعام إلا من غسلين، وفي جملة يحشرون وقد كشف عنهم غطاؤهم وأصبح بصرهم حديدا وفي أخرى يحشرون عميا ويسألون الله عن ذلك مع أنهم كانوا في الدنيا مبصرين إلخ. هذا بالإضافة إلى تنوع أوصاف النعيم حيث تأتي في بعض الفصول بسيطة متسقة مع الحياة العادية الدنيوية كما في سورة الغاشية بينما تأتي في أخرى في غاية الأناقة والفخامة مع اتصالها بمعاني ومشاهد الدنيا كما في سورتي الإنسان والواقعة مثلا، وهذا عدا التنوع في الجزئيات حيث تكون الصحاف والأساور في جمل من فضة بينما تكون في أخرى من ذهب، وحيث يذكر في جملة الحلي الذهبية، وفي أخرى الحلي الفضية، وفي أخرى الحلي اللؤلوية، وحيث تشبه الحور العين في جملة بالياقوت والمرجان بينما تشبه في أخرى بالبيض المكنون أي اللؤلؤ إلخ.
ومع تقريره (أن الإيمان باليوم الآخر وحسابه ونعيمه وعذابه واجب وأنه ركن من أركان العقيدة الإسلامية، وأن حكمة الله في ذلك قائمة في قصد توفية الناس أعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا، وفي تقرير أن الله لم يخلق الكون عبثا) .
فإن ملاحظة ما قدمناه جوهرية مثل سابقاتها لأن من شأنها أن تجعل الناظر في القرآن يتجنب الاستغراق في الجدل حول مشاهد الحياة الأخروية وصورها، والتورط والتكلف والتزيد في صدد ما يقوم في سبيل الماهيات والحقائق لذاتها، ويذكر أن هدف القرآن في ما جاء من التعابير والأوصاف هو العظة والتنبيه وإيقاظ الضمائر ليرعوي الضّالّ عن ضلاله ويثبت المهتدي في طريقه بأسلوب يتسق مع متناول إحساس المخاطبين وتجاربهم ومشاهداتهم ومداركهم ومألوفاتهم ويثير فيهم الرهبة من العاقبة، ويتذكر أن ماهية هذه الحياة وحقيقتها مغيبتان لا يستطاع فهم شيء عنهما إلا بالأوصاف الدنيوية، وأن حكمة الله اقتضت وصفهما بهذه الأوصاف على سبيل التقريب والتشبيه.
وإذا كانت الحياة الأخروية ومشاهدها وأوصافها وصورها المتنوعة قد شغلت حيزا كبيرا في القرآن حتى لا تكاد سورة من سوره تخلو من ذكرها أو